- خطبة الجمعة بعنوان : فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة جمعة في يوم 14 ربيع الأول - عام 1434هـ في مسجد السعيدي.
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.
فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ- صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.
عباد الله فإن الله –عز وجل- يصطفي من يشاء من عباده ويختار فكما اختار من خلقه محمدًا- صلى الله عليه وسلم- ليكون خاتم النبيين ورحمةً للعالمين وسيدًا لولد آدم أجمعين, وكما اختار له أصحابًا هم الصفوة من الخلق بعد النبيين والمرسلين إيمانًا وهدى وصلاحًا وتقى وشجاعةً وصدقًا وخلقًا وسمتا وفقهاً وعلمًا.
وإن من صفوة الصفوة وخيار الخيار الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالبٍ ابن عم النبي- صلى الله عليه وسلم-, وصهره على ابنته فاطمة سيدة نساء المؤمنين, وأبو ريحانتي النبي- صلى الله عليه وسلم- من الدنيا الحسنِ والحُسين سيدي شباب أهل الجنة, أسلم في أول بعثة النبي- صلى الله عليه وسلم- فكان أول من أسلم من الصبية, ولزم النبي- صلى الله عليه وسلم- فلم يفارقه, وشهد معه مشاهد إلا أن يتخلف عنها بأمرٍ من النبي- صلى الله عليه وسلم-, أثنى عليه الرسول- صلى الله عليه وسلم- ثناءً عاطرًا وحاز من الفضائل والملاطف حظًا وافرًا, فمن ذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- شهد له شهادةُ معينة بأنه يحب الله ورسوله وأن الله يحبه ورسوله كما في الصحيحين من حديث سهل بن سعدٍ- رضي الله عنه قال- قال النبي:- صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر «
لأعطين الراية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه, يحب الله ورسوله, ويحبه الله ورسوله» فبات الناسُ ليلتهم أيهم يعطى، فيغدوا كلهم يرجونها، فقال: «
أين علي؟» فقيل: يشتكي عينيه, فبصق في عينيه، ودعا لهُ، فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاهُ ، فقال فأعطاه فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: «
أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجبُ عليهم، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من أن يكون لك حُمرِ النعم», وحين خلفه على أهل المدينة في غزوة تبوكٍ حزن عليٌ- رضي الله عنه- فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: مطيبًا لنفسه ومطمئنًا لما في قلبه «
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون بموسى على أنه لا يكون نبي بعدي» متفقٌ عليه, حيث أن موسى قد واعد ربه أربعين ليلة خلف هارون في قومه يسوس أمرهم حتى يرجع, وهكذا خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عليًا على من بقي في المدينة يسوس أمرهم حتى يرجع, ومن خلف غازيًا في مهده بخيرٍ فله أجر الغزو بإذن الله.
وعن سهل بن سعدٍ عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «
من كنت مولاه فعلي مولاه» رواه ابن ماجة وصححه الألباني, أي أن محبة النبي- صلى الله عليه وسلم- تقتضي محبة علي- رضي الله عنه- لأنه من المؤمنين به المتبعين له- عليه الصلاة والسلام-, وهذا أمرٌ يشترك فيه عموم المؤمنين, كما قال تعالى:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:71] وقال تعالى:
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة:55]
ولكن لعليٍ في هذا الحديث خصيصة تأييدٍ والنص عليه- رضي الله عنه- ولما نزل قول الله تعالى:
{فَمَنْ حَاجَّكَ} يعني عيسى ابن مريم,
{مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران:61].
دعا الرسول- صلى الله عليه وسلم- عليًا وفاطمة والحسن والحسين فقال اللهم هؤلاء أهلي اخرجه مسلمٌ. عن سعد ابن أبي وقاص- رضي الله عنه- وهو يعدد بعض فضائل علي-رضي الله عنه-. وثبت في الصحيحين من قصته مع حمزة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال له: «
أنت مني وأنا منك», يعني أنت مني بالمحبة والنسب والمصاهرة وما كان لك من السابقة في الإسلام والنصرة والإنصاف والاعتدال, وقد حاز عليًا- رضي الله عنه- فضل الهجرة وفضل شهود بدرٍ وفضل شهود الحديبية وغيرها من مغازي النبي- صلى الله عليه وسلم-, ومات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو عنه راضٍ وبشره بالجنة كما في حديث سعيد بن زيدٍ, وبايع عليٌ- رضي الله عنه- أبا بكرٍ بعد ذلك مع المسلمين وكان معترفًا بفضله موقراً له وهكذا كان في عهد عمر وزير صدقٍ وعضيداً قوياً للفاروق, وزوجه ابنته أم كلثوم بنت فاطمة- رضي الله عنهما- وأنجبت له ولدًا وبنتًا, ولما تم اختيار عثمان بايع له فيمن بايع من المسلمين وبقي على السمع والطاعة والنصح له إلى أن لقي ربه شهيدًا في الفتنة التي جرت له -رضي الله عنه-, ولما قتل عثمان بايع الناس عليًا- رضي الله عنه- فكان رابع الخلفاء الراشدين فسار في الناس سيرةً حسنة, ولكن الزمن الذي ولي فيه الأمر كان زمان فتنٍ ومحنٍ واختلافٍ وفرقة فصبر وصابر وسار في الأمة بما يدين الله أنه حق حتى قُتل على يدي الخارجي عبد الرحمن بن ملجم وهو خارجٌ إلى صلاة الفجر, وذلك في رمضان سنة أربعين من الهجرة- غفر الله له ورحمه- وجمعنا في جنات عدنٍ ومقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر, أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ استغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه وأما بعد.
عباد الله فإن عليًا- رضي الله تعالى عنه- ابتليّ بطائفةٍ من الناس طائفةٍ قصرت في حقه وفرطت في شأنه فأبغضته وعادته, بل منهم من كفره وأخرجه من الملة ومن هؤلاء النواصب والخوارج, فكان من شأن الخوارج، أن عليًا لما قبل بالتحكيم بينه وبين معاوية -رضي الله عنهما- كفروه بدعوى أنه حكم بغير ما أنزل الله فقد كفر وأنه لما حكم الرجال بالصلح فقد حكم بغير ما أنزل الله فكفر, فاجتمعوا في مكانٍ يقال له النهروان كانوا قومًا ذو صلاةٍ وصيامٍ وقراءةٍ واجتهادٍ في العبادة مما سبب كثيرًا من أتباعه حرجًا وترددًا في قتالهم ولكنه أصر على قتالهم, وأيقن أنهم القوم الذين أخبر عنهم النبي- صلى الله عليه وسلم- وأمر من أدركهم بقتالهم بل واستئصالهم لأنهم شرًا على المسلمين فلا يغتر بجهادهم ولا بصلاحهم ولا بسيماهم الحسنة فسيوفهم مصلطةٌ على المسلمين وأيديهم ملطخةٌ بدماء المعصومين, وما يقدمونه من الخدمات لأعداء الإسلام أكثر بكثير مما يناله منهم, ولما ازداد يقينه أنهم اذ وجد فيهم ذي الثدية خرَّ ساجداً لله لأن هلاك الظلمة المفسدين في الأرض لاسيما من يفسد باسم الإسلام نعمةٌ عظيمة تستحق أن يُسجد لله بسببها, وابتلي بطائفةٍ أخرى وهم الروافض أفرطت في حقه فغلت فيه وتجاوزت الحد حتى إن منهم من يعتقد فيه الإلوهية والربوبية فيدعونه من دون الله, وينسبون إليه التصرف في الكون ومنهم, من يفضله على أبي بكرٍ وعمر وقد قال عليٌ- رضي الله عنه- من قدمني على أبي بكرٍ وعمر فسأجلده حد المفتري ومنهم من يعتقد أنه أحق بالخلافة من الثلاثة الذين قبله, ومنهم من يكفر الصحابة لكونهم لم يولوه الخلافة بعد النبي- صلى الله عليه وسلم-, إلى غير ذلك من صور الانحراف والضلال وهؤلاء كلهم على سبيل الضلالة وطريق الغواية, وعليٌ- رضي الله عنه- برئٌ منهم وهم برأء منه لأن الموالاة الحقيقية تقتضي الإتباع لا الابتداع وتقتضي حب من يحبه وعداء من يعاديه وليه، فهم يكذبون عليه ويغلون فيه، ويوالون أعداءه ويعادون أولياءه, ونحن أهل السنة والجماعة ندين الله بحب عليٍ- رضي الله عنه- وآل بيت النبي- صلى الله عليه وسلم- ممن آمن به واتبعه ,كما نحب أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة وسائر أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وأزواجه المطهرة, ونسكت عما ترى من الخلاف بين الصحابة- رضي الله عنهم- ونعتذر لهم بأحسن المعاذير, ومع حبنا لهم جميعًا واعترافنا بفضلهم وسابقتهم كلهم إلا أننا لم نخض في أحدٍ منهم.
لأن الله نهانا عن الغلو إذ هو سبيل الشرك والعياذ بالله كما أننا نبرأ إلى الله ممن يبغضهم وبغير الجميل يذكرهم ونسأل الله أن ينتقم ممن يعادي أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأن يأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر, اللهم اجمعنا بصحابة نبيك- صلى الله عليه وسلم- اللهم اجمعنا بالصالحين يا رب العالمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة, وفي الآخرة حسنة, وقنا عذاب النار, اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات, وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.