طاعة ولاة الأمر مطلب شرعي
طاعة ولاة الأمر مطلب شرعي
  | , 9210   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: طَاعَةُ وُلَاةِ الأَمْرِ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 16 ذو القعدة - عام 1440هـ في مسجد السعيدي.
   
 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71]. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى عِبَادِهِ شَرِيعَةً كَامِلَةً تَكْفُلُ لَهُمْ صَلَاحَ الدُّنْيَا وَسَعَادَةَ الآخِرَةِ، وَمِمَّا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الْعِبَادَ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ مُجْتَمَعَاتِهِمْ، وَقِيَامُ مَعَاشِهِمْ، وَثَبَاتُ أَمْنِهِمْ، وَاجْتِمَاعُ كَلِمَتِهِمْ، وَقُوَّةُ شَوْكَتِهِمْ: أَنْ يَسُوسَ الْوُلَاةُ رَعَايَاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ الوَاجِبَاتِ، وَأَنْ تَقُومَ الرَّعِيَّةُ بِأَدَاءِ حُقُوقِ وُلَاتِهِمُ الَّتِي أَوْصَى اللهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ، وَأَوْصَى بِهَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّدٌ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَارَ عَلَيْهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ. لَقَدْ جَاءَ الأَمْرُ صَرِيحًا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى بِطَاعَةِ أُولِي الأَمْرِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ : ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ( [النساء: 59]. وَمِنْ مُهِمَّاتِ الأَبْوَابِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِي بِهَا، وَيَحُثُّ أُمَّتَهُ عَلَى التَّمَسُّكِ بِأَوَامِرِهِ فِيهَا: بَابُ مُعَامَلَةِ الحُكَّامِ، فَكَانَ يُوصِي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْأَئِمَّةِ بِالمَعْرُوفِ، وَيَحُثُّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِمْ، وَيُرَغِّبُ فِي إِكْرَامِهِمْ وَتَوْقِيرِهِمْ، وَالدُّعَاءِ لَهُمْ، وَتَوْجِيهِ النَّصِيحَةِ إِلَيْهِمْ بِالرِّفْقِ وَالسِّرِّ مَعَ جَمْعِ القُلُوبِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَكُونَ المُسْلِمُونَ يَدًا وَاحِدَةً، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الوَصَايَا سَلِمَ وَغَنِمَ، وَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا خَابَ وَغَرِمَ. إِخْوَةَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِي بِأَدَاءِ هَذِهِ الحُقُوقِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ وَتَحْتَ كُلِّ الظُّرُوفِ؛ فَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا؛ فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَلَقَدْ أَمَرَ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى طَاعَتِهِمْ فِي المَعْرُوفِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ المَصْلَحَةِ العَامَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ:»نَعَمْ«. قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ ؟قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ :كَيْفَ؟ قَالَ:« يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَجَاءَتِ الأَحَادِيثُ الكَثِيرَةُ - مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ - فِي بَيَانِ أَهَمِّيَّةِ النَّصِيحَةِ لِوُلَاةِ الأَمْرِ، لَكِنَّهَا تَكُونُ بِإِخْلَاصٍ وَرِفْقٍ وَلِينٍ، نَصِيحَةٌ سِرِّيَّةٌ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، لَا عَلَى المَلَأِ وَفِي النَّدَوَاتِ، وَعَلَى المَنَابِرِ وَالقَنَوَاتِ، فَتَمْتَلِئَ قُلُوبُ الرَّعِيَّةِ عَلَى وَلِيِّ أَمْرِهَا فَتَخْرُجَ عَلَيْهِ، فَيَجُرَّ ذَلِكَ البَلَاءَ وَالْفِتَنَ، وَالدَّمَارَ وَالمِحَنَ؛ فَعَنْ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ» [رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]. مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ: لَقَدْ حَثَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَوْقِيرِ الحَاكِمِ وَإِكْرَامِهِ، وَأَوْصَى  بِهِ أُمَّتَهُ؛ وَسَارَ الصَّحَابَةُ رضيَ اللهُ عنهم عَلَى هَذَا النَّهْجِ الْقَوِيمِ، فَأَوْصَوْا مَنْ بَعْدَهُمْ بِمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَدُّوا أَبْوَابَ الْفِتَنِ عَنِ الأُمَّةِ، وَعَاشُوا عَلَى خَيْرٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (أَمَرَنَا أَكَابِرُنَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نَسُبَّ أُمَرَاءَنَا، وَلَا نَغُشَّهُمْ، وَلَا نَعْصِيَهُمْ، وَأَنْ نَتَّقِيَ اللهَ وَنَصْبِرَ، فَإِنَّ الأَمْرَ قَرِيبٌ) [رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِيْ شُعَبِ الإِيمَانِ]، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( إِنَّ أَوَّلَ نِفَاقِ المَرْءِ طَعْنُهُ عَلَى إِمَامِهِ) [رَوَاهُ البَّيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمَانِ]. وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ - عِبَادَ اللهِ- يَحُثُّونَ عَلَى الدُّعَاءِ لِوَلِيِّ الأَمْرِ بِالصَّلَاحِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي الأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَالفَلَاحِ،  يَقُولُ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: (لَوْ أَنَّ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً مَا جَعَلْتُهَا إِلَّا فِي السُّلْطَانِ)، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ فَسِّرَ لَنَا هَذَا، قَالَ: (إِذَا جَعَلْتُهَا فِي نَفْسِي لَمْ تَعْدُنِي، وَإِذَا جَعَلْتُهَا فِي السُّلْطَانِ صَلُحَ، فَصَلُحَ بِصَلَاحِهِ العِبَادُ وَالبِلَادُ). فَالإِخْلَالُ بِالوَصَايَا الشَّرْعيَّةِ في هَذَا البَابِ شَرُّهُ عَظِيمٌ؛ وَخَطَرُهُ جَسِيمٌ، بَلْ يَعْزُو بَعْضُ العُلَمَاءِ الشُّرُورَ وَالْفِتَنَ الَّتِي أَلَمَّتْ بِالأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ إِلَى الإِخْلَالِ بِهَذَا البَابِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ التَّارِيخَ القَدِيمَ وَالمُعَاصِرَ، وَمَا حَصَلَ فِيهِ مِنَ الْفِتَنِ وَالخُرُوجِ، فَقَلَّمَا خَرَجَ خَارِجِيٌّ إِلَّا كَانَتِ المَفَاسِدُ أَعْظَمَ مِنَ المَصَالِحِ، وَتَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ مَا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ، مِنْ ذَهَابِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ، وَانْتِشَارِ الفَوْضَى وَالدَّمَارِ؛ يَقُولُ العَلَّامَةُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنِ الخُرُوجِ عَلَى الوُلَاةِ: (فَإِنَّهُ أَسَاسُ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، ... وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا جَرَى عَلَى الإِسْلَامِ فِي الفِتَنِ الكِبَارِ وَالصِّغَارِ رَآهَا مِنْ إِضَاعَةِ هَذَا الأَصْلِ، وَعَدَمِ الصَّبْرِ عَلَى مُنْكَرٍ، فَطَلَبَ إِزَالَتَهُ فَتَوَلَّدَ مِنْهُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ ). أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ. إِخْوَةَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ: وَإِنَّ مِنَ الحُقُوقِ اللَّازِمَةِ عَلَى الرَّعِيَّةِ لِوُلَاةِ أُمُورِهِمْ: تَوْقِيرَهُمْ وَإِكْرَامَهُمْ، وَمَا لَازَمَ ذَلِكَ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمْ وَتَحْرِيمِ الطَّعْنِ فِيهِمْ وَسَبِّهِمْ وَلَعْنِهِمْ، وَقَدْ حَثَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَوْقِيرِ الحَاكِمِ وَإِكْرَامِهِ، وَأَوْصَى  بِهِ أُمَّتَهُ؛ لِعِلْمِهِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ المَصَالِحِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَدَفْعِ الشَّرِّ وَالفَوْضَى وَالفِتَنِ عَنْهُمْ؛ فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «السُّلْطَانُ ظِلُّ اللهِ فِي الأَرْضِ، فَمَنْ أَكْرَمَهُ أَكْرَمَهُ اللهُ، وَمَنْ أَهَانَهُ أَهَانَهُ اللهُ» [رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ وَالْبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ]. إِنَّ وُلَاةَ أُمُورِنَا - يَا رَعَاكُمُ اللهُ - يَلُونَ مِنْ أُمُورِنَا الكَثِيرَ، فَيَجِبُ أَنْ نَكُونَ لَهُمْ خَيْرَ عَوْنٍ وَنَصِيرٍ، فَنَشْكُرَ فَضْلَهُمْ وَجُهْدَهُمْ، وَنَصْبِرَ عَلَى تَقْصِيرِهِمْ، فَإِذَا حَكَمَ الأَئِمَّةُ بِالعَدْلِ وَسَمِعَتِ الرَّعِيَّةُ وَأَطَاعَتْ حَصَلَ بِذَلِكَ الخَيْرُ الْوَفِيرُ، وَقَامَتْ مَصَالِحُ النَّاسِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، قَالَ تَعَالَى : )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( [النور:55 ، 56]. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُلَاةَ أُمُورِ المُسْلِمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَارْزُقْهُمُ البِطَانَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تَدُلُّهُمْ عَلَى الخَيْرِ وَتُعِينُهُمْ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْمَعَ كَلِمَةَ المُسْلِمِينَ عَلَى الحَقِّ، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَمِنْ فِتْنَةِ المَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ. رَبَّنا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا، وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة