فضل صلاة الجمعة وبعض أحكامها
- خطبة بعنوان: فضل صلاة الجمعة وبعض أحكامها.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 13 ذي الحجة 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
لقد خصّ الله تعالى هذه الأمّةَ بيومِ الجمعةِ، فَهَدَى خيرَ الأمم إلى خيرِ الأيّامِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فَهَدَاناَ اللهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفَوا فِيهِ هَدَانَا اللهُ لَهُ (قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ) فَالْيَوْمُ لَنَا، وَغَداً للْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى» [متفق عليه]. فهو يوم مبارك، فيه خلق الله أول البشر، وفيه نهايتهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ: فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّة، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» [رواه مسلم].
وهو يومٌ تكفر فيه السيئات، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وهو يوم تجاب فيه الدعوات، يَقُولُ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
ومن خصائص هذا اليوم صلاةُ الجمعةِ التي نجتمع لها كلَّ أسبوع، فقد جعل الله فيها الأجور الكثيرة بأعمال يسيرة، وأثنى الله على أهلها حين تركوا تجارتهم ولهوهم، وانشغلوا بطاعة ربهم، فَحَرِيٌّ بالمسلم أن يعرفَ واجباتِها، ويتعلَّمَ مستحباتِها، ويجتنبَ الأخطاءَ التي يقعُ المسلم فيها، قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْظِيمُ هَذَا اليَوْمِ وَتَشْرِيفُهُ وَتَخْصِيصُهُ بِعِبَادَاتٍ يَخْتَصُّ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ).
فمن أحكامها عباد الله: الاغتسالُ لها، ولبسُ أجمل الثياب، والتطيّبُ، وتنظيفُ الفم بالسواك، وإذا دخل المسجد صلى وجلس حيث انتهى به الصف لا يفرق بين اثنين، ولا يتخطى رقاب الناس، ويُسنّ أن يُصلي ما شاء الله له ركعتين ركعتين إلى أن يبدأ الإمام بالخطبة، فَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].
وأن يحرص على المشي للصلاة إن استطاع وأن يُبكِّر لها، ويَجِبُ عليه أن يستمع للخطيب ولا ينشغل عنه بشيء، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ- كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]، وكلما بكر زاد أجره وارتفع ثوابه، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» [رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
ومن السنن العظيمة في هذا اليوم، أن يكثر العبد فيه من الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذي أرشدنا إلى ما في هذا اليوم من الخير، وهدانا إلى الصراط المستقيم، وإلى دين الله القويم، « عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ "» [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
فمع هذه الفضائل الكثيرة، والأجور الوفيرة يَحرمُ بعض النَّاس نفسه منها فيكونَ من الغافلين، ويلهيه الشيطانُ فيكونَ من الخاسرين، فمنهم من يقضي ليلة الجمعة سهرًا ولهوًا، فتفوته صلاة الفجر ثم صلاة الجمعة، فيَخْتم اللهُ على قلبه، ومن خُتم على قلبه خاب وخسر، فَقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
ومن المصلين من يتهاون في التبكير ويعتاد على التأخير، ولا يحافظ على الاغتسال قبل الصلاة، ولا تراه إلا في أثناء الخطبة داخلاً أو في الصلاة متأخرًا، فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :«احْضُرُوا الذِّكْرَ وَادْنُوا مِنَ الإِمَامِ ، فَانَّ الرَّجُلَ لاَ يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرُ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا» [رواه أحمد وصححه الألباني]، وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «تَقْعُدُ الْمَلاَئِكَة عَلَى أَبْوَاب الْمَسَاجِد يَوْمَ الْجُمُعَة ، فَيَكْتُبونَ الأَوَّل وَالثَّانِي وَالثَّالِث ، حَتَّى إِذَا خَرَجَ الإِمَامُ رُفِعَت الصُّحف» [رواه أحمد وصححه الألباني]، ومن الأخطاءِ الكلامُ أثناءَ الخطبةِ أو ردُّ السَّلام أو المصافحةُ أو الكلامُ مع غيره أو أولاده أو الانشغال بهاتفه، وكل هذا مما يُذهب أجرَ جمعته، وبعضهم يحضر الصلاة بثياب وهيئة لا تَجَمُّل فيها ولا استعداد، وَقد خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النِّمَارِ، (وَهِيَ: بُرْدٌ يَلْبَسُهَا الأَعْرَابُ) فَقَالَ: «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ» [رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا]. ومن الأخطاء أن يقف المسلم إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن بعد سلام الخطيب ينتظر انتهاء المؤذن، والصحيح أن عليه أن يبادر لصلاة ركعتين ليدرك سماع خطبة الإمام إن استماع الخطبة واجب.
فتفقهوا عباد الله في دينكم، وارفعوا الجهل عن أنفسكم، واحرصوا على طاعة ربكم.