الواجب علينا عند تكالب الأعداء
الواجب علينا عند تكالب الأعداء
  | 11396   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: الواجب علينا عند تكالب الأعداء.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 21  محرم - عام 1441هـ في مسجد السعيدي.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا،)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71]. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. عِبَادَ اللهِ: لازال أعداء الإسلام والدين منذ ظهوره وهم يكيدون له أشد الكيد ويستخدمون شتى الوسائل والسبل ليذهبوا نوره ويطفئوا ضياءه حسدا وبغيا، وخبثا ومكرا، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، فالحق لا محالة ظاهر والمكر يعود على أهله والعاقبة للمتقين. فهاهم كفار قريش آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى، وقاتلوهم بجيوشهم محاولة منهم لإبادتهم وإرجاعهم عن دينهم، فأظهر الله نبي الله وأهل الإسلام عليهم، حتى فتح الله مكة وأرجعها دار إسلام بعد أن كانت دار كفر وشرك، روى البخاري عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله r وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا ؟ قال: ( كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ). عباد الله: واستمرت سلسلة الأعداء ففي المدينة كان المنافقون واليهود، فالمنافقون يكيدون في السرّ ويمدون يد التعاون مع اليهود ومع كفار قريش لإسقاط دولة المسلمين، وبث الشائعات ونشرها لإضعاف المسلمين، كما فعلوا في غزوة الأحزاب حين قالوا: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)، واليهود ألَّبوا قبائل العرب وخانوا العهد والميثاق حسدا وكرها لهذه الأمة حين اختار الله نبيه r منها بعد أن كانوا يتوعدون العرب ببعثة نبي ينصرهم ويظهرهم، (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ). عباد الله: ومن ألدّ أعداء المسلمين من يسمون بالنصارى، فمن نظر في حروبهم الصليبية وحملاتهم الدينية لإبادة المسلمين يعلم حقدهم الدفين وخطرهم الجسيم، على الإسلام والمسلمين، (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ). وهكذا الفرس المجوس امتلأت قلوبهم حقدا وبغضا على أهل الإسلام حين أسقط خلافتهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فكسر كسرى، ومزقهم كل ممزق وشرد بهم ونكّل في معركة القادسية الشهيرة، ومن تلك الأيام وهم وأحفادهم من مجوس العصر يكنّون للمسلمين كل شرّ ويبغضونهم أشد البغض انتقاما لأجدادهم الذين كسرهم عمر رضي الله عنه. وهكذا عباد الله يحيط بنا الأعداء من كل حدب وصوب لا يرقبون فينا إلا ولا ذمة، فالواجب علينا إن أردنا العزة والسلامة أن نرجع إلى ربنا فلن تكون لنا عزة إلا برجوعنا إلى كتاب ربنا وسنة نبينا r، وأن نحيا ونموت لله تعالى، وأن نعتقد أن الدنيا زائلة ولا يبقى منها إلا ما كان لله، عن ثوبان t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأَكَلَة إلى قصعتها)، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن) فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت). رواه أبو داود. فالحل الأمثل والسبيل الأوحد لنيل العزة ورفعة الأمة هو في الرجوع الله تعالى، عن ابن عمر t قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم). رواه أبو داود. ومن الواجب علينا -عباد الله- في خضم هذه الأحداث والفتن والاضطرابات أن نلجأ إلى الله تعالى بالدعاء في سجودنا وصلاتنا وقيامنا وحين نرفع أيدينا أن يقينا الله شر الفتن، وأن يسلمنا ويسلم بلاد المسلمين من كيد أعداء الدين، وأن يرجعنا إلى ديننا ويحفظنا ويحفظ أوطاننا، فقد أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله في صلاته من فتنة المحيا والممات. أي من الفتن التي تقع في الحياة ومن الفتن التي تكون بعد الموت كفتنة القبر. ومن الواجبات المهمات في وقت الأزمات الالتفاف حول ولاة أمورنا، فنكون لهم خير معين وناصر على ما يخوضونه من مكائد الأعداء، فلا نستمع لمن يريد شق صفوفنا، أو يسعى لخروجنا على ولاتنا، بل نحن معهم في عسرهم ويسرهم، نسمع لهم ونطيع بالمعروف، ونجمع القلوب عليهم، ونذكر خيرهم، ونشكر فضلهم، وندعو لهم بالصلاح والخير، ونكون يدا واحدة مع الجماعة، ولا نشق عصا المسلمين، فعن عبادة t قال: (دعانا النبي r فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) متفق عليه. فأمور الفتن والحروب والصلح والسلم والتعامل مع الأحداث إنما هو من خصائص ولاة الأمر فلا يجوز منازعتهم فيه ولا الخوض فيه بل يجب إسناد الأمور إليهم والرجوع في شأن الأمة والأحداث المعاصرة إليهم. ولما ذكر النبي r أمر الفتن لحذيفة أوصاه فقال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم). متفق عليه. فمن أعظم مخططات الأعداء فصل الرعية عن الولاة وبث البغضاء والشحناء في قلبوهم ليكونوا أداة بأيدي الأعداء وسلاح موجها في نحر الأمة. فلننتبه عباد الله ولنكن يقظين أذكياء لما يحيكه لنا الأعداء. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي ولكم، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً مَزِيدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ. عباد الله: إن من أعظم الوصايا في زمن الفتن والاضطراب أن نقطع على العدو أعظم سلاح وأخطره على بلادنا وأمتنا وأمننا وهو سلاح الشائعات، فهم يستخدمون الحرب الإعلامية القائمة على الأكاذيب والتزوير وينشرونها في إذاعاتهم وقنواتهم وبرامج التواصل عبر حسابات مشبوهة أو مجهولة، فلا يجوز أن نكون عونًا لهم على نشرها، مما يسبب بثَّ الرعب في قلوب الناس وتخذيلهم عن نصرة دينهم وأوطانهم، ففي أوقات الفتن والاضطراب أمرنا الله بإرجاع الأمر إلى أهله، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا). فأمر سبحانه عامة المسلمين برد الأمور الكبيرة المتعلقة بأمن الأمة وعزها واجتماعها وحقن دمائها ونحو ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وإلى أولي الأمر فيهم وهم أهل العلم وأهل الحكم، ليتخذوا فيها من القرارات والأحكام ما يكون فيه خير لها، بخلاف ما إذا دخل فيها من ليس منهم، فدخولهم يضر ولا ينفع، فهم لا يعرفون حقائق الأمور، ولا عواقبها، وإنما يتصرفون بحكم العاطفة، وربما كان الذي يحرك عواطفهم ويهيجهم من يريد بهم الشر والهلاك من حيث لا يشعرون، فكثير ممن دخل في الفتنة التي قتل فيها عثمان رضي الله عنه ما كان يعلم أن المهيج المثير لها هو ابن سبا أحد اليهود ومؤسس السبئية الذين أظهروا الإسلام وأخذ يكيد له من الداخل حتى حقق كثيرا من أمانيه على أيدي الرعاع الجهلة. فإذا كان ذلك قد وقع في العصر الأول فما الظن بالأمر في هذه العصور التي اشتدت فيها العداوة للإسلام من أعدائه واشتدت فيها العداوة للسنة من قبل بعض فرق الضلالة. فلا نكن مذاييع للأخبار الكاذبة والإشاعات المختلقة التي يبثها أعدائنا ضدنا، فليس كل ما يقال صحيح، وليس كل خبر صحيح يصلح نشره، بل نحيل الأمور إلى من لهم الأمور وهم ولاة الأمور، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).