صور من محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم
صور من محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم
  | , 16481   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: صور من محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم .
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 29 ذي الحجة - عام 1440هـ في مسجد السعيدي.

  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71]. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مَحَبَّةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْظَمِ وَاجِبَاتِ الْإِيمَانِ، وَمِنْ أَكْبَرِ أُصُولِهِ وَأَجَلِّ قَوَاعِدِهِ، فَلَا يَكْمُلُ إِيمَانُ الْعَبْدِ مَا لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى:) قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ( [التوبة:24]، فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى مَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّةُ نَفْسٍ وَلَا وَلَدٍ وَلَا وَالِدٍ؛  فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  »لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ« [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. فَاجْعَلْ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ- مَحَبَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَاعَتَهُ مُقَدَّمَتَيْنِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى عَلَى نَفْسِكَ؛ فَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ  رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ« فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »الآنَ يَا عُمَرُ«. ومَحَبَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَلَوَازِمِ طَاعَتِهِ تَعَالَى؛ فَمَحَبَّةُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ مَحَبَّةِ رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: »ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، وَذَكَرَ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا«. وَمَنْ أَرَادَ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ، وَأَسْمَى الدَّرَجَاتِ فِي جَنَّةِ الرَّحْمَنِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَأَهْلِ الْإِحْسَانِ، فَعَلَيْهِ بِمَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقْتَضِيَةِ لِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ وَالسَّيْرِ عَلَى هُدَاهُ؛ فَهُوَ بِهَذِهِ المَحَبَّةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: »وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟« قَالَ: لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: »أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ«. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ«. قَالَ أَنَسٌ: فأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ). أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: لَقَدْ ضَرَبَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَرَوْعَ الْأَمْثِلَةِ وَأَحْسَنَهَا فِي مَحَبَّتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْجَمُوا ذَلِكَ قَوْلًا فِي أَفْضَلِ عِبَارَةٍ، وَعَمَلًا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَبَذَلُوا مُهَجَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِدَاءً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِمَايَةً لَهُ، وَمَنْ تَدَبَّرَ مَوَاقِفَهُمْ وَقَرَأَ سِيرَتَهُمْ مَعَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ مَعْنَى الْمَحَبَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وَيُعَبِّرُ عَنْ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ الْعَظِيمَةِ مَا قَالَهُ زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ لَهُ حِينَ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ: أُنْشِدُكَ اللهَ يَا زَيْدُ أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا الْآنَ بِمَكَانِكَ تُضْرَبُ عُنُقُهُ وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ؟ قَالَ: (وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَأَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي) فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: (مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا) [رَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ]. عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ صُوَرِ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ مَا قَدَّمَهُ أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ t الَّذِي كَانَ يَفْدِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَصَلَ مِنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي هِجْرَتِهِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَمَّا أُذِنَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجْرَةِ قَالَ لَهُ: (الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللهِ) فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »الصُّحْبَةَ« [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ] وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَتْ عَائِشَةُ: (فَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي، وَمَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ)، وَفِي طَرِيقِ الْهِجْرَةِ كَانَ الصِّدِّيقُ حَرِيصًا عَلَى حِمَايَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاذِلًا كُلَّ مَا يَسْتَطِيعُ لِيَصِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ سَلِيمًا مُعَافًى، وَلَمَّا وَصَلَا الْمَدِينَةَ فَرِحَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِمَقْدَمِهِمَا أَشَدَّ الْفَرَحِ، وَابْتَهَجُوا غَايَةَ الْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ أَنْوَرَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ يَوْمِ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ الْمَدِينَةَ، وَشَهِدْتُ وَفَاتَهُ فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ أَظْلَمَ وَلَا أَقْبَحَ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ) [رَوَاهُ أَحَمْدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ]. لَقَدْ أَظْهَرَ الصَّحَابَةُ فِي غَزْوَاتِهِمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْلَى صُوَرِ الْمَحَبَّةِ؛ فَفِي غَزْوَةِ أُحُدٍ لَمَّا حَاصَرَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَاهُ أَصْحَابُهُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَقَدَّمُوا أَرْوَاحَهُمْ رَخِيصَةً لِحِمَايَةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهَذَا طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ يُتَرِّسُ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِيهِ مِنْ سِهَامِ الْعَدُوِّ وَرَمْيِهِمْ، وَكَانَ يَقُولُ: (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَلَمَّا اشْتَدَّ الرَّمْيُ وَكَادَ أَنْ يُصِيبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَاهُ طَلْحَةَ بِيَدِهِ؛ فَعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: (رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ، وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: هَكَذَا تَرْجَمَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَحَبَّتَهُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ أَخَذْنَا نَسْتَعْرِضُ مَوَاقِفَهُمُ الْمُشَرِّفَةَ  وَكَلِمَاتِهِمُ النَّيِّرَةَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ مَحَبَّتِهِمْ لِنَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَطَالَ بِنَا الْمَقَامُ؛ فَقَدْ كَانُوا لَا يَصْبِرُونَ عَنْ رُؤْيَتِهِ وَالْجُلُوسِ مَعَهُ؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي، وَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَكَ فَأَنْظُرَ إِلَيْكَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ )وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا  ([النساء:69] [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً مَزِيدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ. مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: إِنَّ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ تُقَالُ، أَوْ قَصَائِدَ تُلْقَى، بَلْ حَقِيقَةُ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ فِي اتِّبَاعِهِ، وَالِاقْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ، وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ، وَعِبَادَةِ اللهِ بِمَا شَرَعَ، لَا بِالْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، فَالْمُحِبُّ حَقِيقَةً هُوَ مَنْ قَدَّمَ أَمْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْرِ غَيْرِهِ، لَمْ تَصْرِفْهُ الْأَهْوَاءُ عَنِ السُّنَّةِ الْغَرَّاءِ، وَلَمْ تُحَرِّفْهُ الْعُقُولُ عَنْ هَدْيِ الرَّسُولِ؛ فَمَحَبَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُتَابَعَتُهُ فِي هَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ فِيهِمَا الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ وَالسَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِذَلِكَ قَرَنَ اللهُ تَعَالَى طَاعَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَاعَةِ اللهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الآيَاتِ، وَهَذَا مُقْتَضَى شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحِينَ ادَّعَى أَقْوَامٌ مَحَبَّةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى اخْتِبَارَهُمْ وَامْتِحَانَهُمْ لِبَيَانِ صِدْقِ مَحَبَّتِهِمْ، وَابْتَلَاهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: )قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ  ([آل عمران:31]؛ لِذَلِكَ قَالَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (لَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِكَ: (المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)، إِنَّ مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا اتَّبَعَ آثَارَهُمْ، وَلَنْ تَلْحَقَ الأَبْرَارَ حَتَّى تَتَّبِــعَ آثَارَهُمْ، وَتَأْخُذَ بِهَدْيِهِمْ، وَتَقْتَدِيَ بِسُنَّتِهِمْ، وَتُمْسِيَ وَتُصْبِحَ وَأَنْتَ عَلَى مَنَاهِجِهِمْ، حَرِيصًا أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، وَتَسْلُكَ سَبِيلَهُمْ، وَتَأْخُذَ طَرِيقَتَـهُمْ، وَإِنْ كُنْتَ مُقَصِّرًا فِي العَمَلِ(.