وجوب اتباع السنة وتعظيمها
وجوب اتباع السنة وتعظيمها
  | , 15163   |   طباعة الصفحة


  • وجوب اتباع السنة وتعظيمها.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة في يوم 10 ربيع الأول عام 1438هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، إنّ الله -عزَّ وجلّ- بعث رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحقّ؛ ليظهره على الدّين كلّه، وأنزل إليه وحيه وكتابه؛ ليبلّغ النّاس ما نزّل إليهم من ربّهم؛ قال –عزَّ وجلّ-: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل:44]، وأمرنا سبحانه بطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران:132]. وأمرنا بالرّجوع إلى سنّته -صلى الله عليه وسلم- عند التّنازع، والرّدّ إليه عند الاختلاف؛ فقال جلّ شأنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:59]. فالسّنّة النّبويّة قرينة الكتاب في الحجّة والعمل، ففي بيانها يعرف ما جاء مطلقًا في القرآن الكريم، وفيها تفصيل ما كان مجملًا في كتاب الله -عزَّ وجلّ-: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [الإسراء:12]، فبالسّنّة عرفنا صفة الصّلاة وعدد أركانها وركعاتها، وبها عرفنا أنصبة الزّكاة ومقاديرها، وهكذا في بقيّة الأحكام والأوامر والنّواهي فمن اتّبع السّنّة وعمل بها فقد عمل بالكتاب العظيم، ومن أطاع الرّسول -صلى الله عليه وسلم- فقد أطاع الله -عزَّ وجلّ-، قال –سبحانه-: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء:80]. في الصّحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنَّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله». عباد الله، إنّ ممّا ابتليت به الأمّة: فئامٌ من النّاس يقلّلون من شأن السّنّة، ويقدّمون عليها أقوال البشر بل تجاوز بعضهم حتّى وقع بالاستهزاء والسّخرية بها، وهذا لا شكّ أنّه مزلقٌ خطر، وجرمٌ عظيم، وذنبٌ وخيم على من قاله، أو سمعه ولم ينكره، قال –عزَّ وجلّ-: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة65-66]، فالله -جلَّ شأنه- لا يأمر بطاعة من لا يقبل أمره، ولا يأمر بمتابعة من لا يحتجّ بطريقته، قال –عزَّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [الحجرات:1]، وجعل سبحانه ما جاء به نبيّنا -عليه الصّلاة والسّلام- فيه الهدى والرّحمة والحقّ والبيان، قال -عزّ وجلّ-: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل:64]. عباد الله، إنّ الأدلّة توافرت على أنّ الهداية والاستقامة، والرّحمة والنّور والنّجاة والسّلامة كلّها تحصل بإتّباع سنّة نبيّنا -صلى الله عليه وسلم-، والتزام طريقته، وتعظيم شأنه، والإيمان الصّادق بما جاء به، والشّرّ كلّ الشّرّ بمخالفة سنّته وهديه، والتّنكّر لها، قال –عزَّ وجلّ-: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف:158]؛ لذلك حذّرنا المولى –سبحانه- من مخالفة السّنّة النّبويّة وما جاء فيها من أوامر ونواهٍ، فمن جحد شيئًا منها أو كذَّب به، أو شكّ بما ثبت فيها فقد وقع في دائرة الكفر والضّلال، وخرج من دائرة الإسلام والإيمان، قال عزَّ من قائل: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]. يقول الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشّرك، لعلَّه إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزّيغ، فيهلك". عباد الله، إنّ الكتاب والسّنّة أصلان متلازمان؛ فالواجب على كل مسلم التّمسّك بما أمر به نبيّنا الكريم -عليه الصلاة والسلام- وما جاء به، واجتناب ما نهى عنه وحذَّر منه، قال -سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]، وعن المقدام بن معدي كرب -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: «ألا إنّي أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجلٌ شبعانٌ على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلالٍ فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرّموه»، وعن ابن أبي رافعٍ عن أبيه -رضي الله تعالى عنه- عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا أُلفينَّ أحدكم متّكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب اللّه اتّبعناه» فيجب علينا إتباع الكتاب والسنة وعدم التفريق بينهما. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، إن تحقيق معنى شهادة أن محمدًا رسول الله: أن يعظم المسلم ما جاء به النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، فيطيعه فيما أمر ويجتنب ما نهى عنه وزجر، وأن يصدق خبره، وأن لا يعبد الله إلّا وفق ما شرع، وليحذر من مخالفته أو التّشكيك فيما جاء به، قال –عزَّ وجلّ-: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور:51]، وقال الله -جلَّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59]. يقول العلّامة ابن القيّم -رحمه الله تعالى-: "أجمع المسلمون أنّ الرّدّ إلـى الرّسول –صلى الله عليه وسلم- هو الرّجوع إليه في حياته، والرّجوع إلى سنّته بعد مماته، واتفقوا أنّ فرض هذا الرّدّ لم يسقط بموته -عليه الصّلاة والسّلام-". وفي صحيح البخاريّ عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «كلّ أمتي يدخلون الجنّة إلّا مـن أبـى. قيـل: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنَّة ومن عصاني فقد أبى». فالله الله -عباد الله- بتعظيم السّنّة في القلوب، وتطبيقها في كلّ شؤون الحياة؛ فهي سفينة النّجاة، ومركب الفلاح، وطريق الهدى، فلا يقدَّم عليها قول أحدٍ ولا رأي بشرٍ، فإنَّ ما جاء فيها مثل ما جاء في كتاب الله –تعالى-، فهما في الحكم سواء. فعن الحسن بن جابرٍ -رحمه الله تعالى- قال: "سمعت المقدام بن معدي كرب -رضي الله تعالى عنه- يقول: «حرّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر أشياء، ثمّ قال: يوشك أحدكم أن يكذّبني وهو متّكئٌ على أريكته يُحَدَثَ بحديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرّمناه، ألا إنّما حرّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل ما حرّم الله»"، وجاء عن الأوزاعيّ -رحمه الله تعالى- أنّه قال لبعض أصحابه: "إذا بلغك عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حديثٌ فإيّاك أن تقول بغيره، فإنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان مبلغًا عن الله تعالى". وجاء عن الإمام الجليل سفيان بن سعيدٍ الثّوري -رحمه الله تعالى- أنه قال: "إنّما العلم كلّه العلم بالآثار"، وقال مالك -رحمه الله تعالى-: "ما منَّا إلَّا رادٌّ ومردودٌ عليه إلَّا صاحب هذا القبر"، وأشار إلى قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فهذه وصايا سلف الأمة فعليكم بما كانوا عليه من النهج القويم، وسلوك الصّراط المستقيم فإن من أعظم أسباب الوقوع في الفتن، ومن أعظم أسباب المحن: الوقوع في مخالفة منهج الله، ومنهج رسوله -صلى الله عليه وسلم- مما يكون من المخالفات العقائدية والمحاذير العملية فترى قومًا يدَّعون محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإتباعه وهم يسبون ويكفرون أصحابه، ويطعنون على عرضه ويتهمون أزواجه، وترى قومًا يدَّعون محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإتباعه وهم يخالفون أمر فيطرونه ويعطونه صفات الله رب العالمين، وترى أحزابًا تدعي محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإتباعه وهم خالفوا سنته، وانتهجوا مناهج مخالفة لهديه وطريقته، وتحزبوا وتكتلوا على طرقٍ شيطانية ليست من الإسلام في شيء، وترى أُناسًا يدعون محبة النبي –صلى الله عليه وسلم- وإتباعه وهم يبتدعون بدعًا ما أنزل الله بها من سلطان، ويحتفلون بأعيادٍ بدعية كاحتفالهم ببدعة المولد النبوي والإسراء والمعراج وغير ذلك التي لم يفعلها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه، ولا تمت إلى الإسلام بصلة فكل هذه الأفعال تدل على كذبهم في دعواهم محبة النبي –صلى الله عليه وسلم- وإتباعه؛ لأن من أحبه واتبع أمره وسلك هديه، وأحب صحابته وسار على نهجهم. اللهم ثبتنا على الكتاب والسنة، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم وبارك على نبنا محمد.