مكانة عيسى عليه الصلاة والسلام
مكانة عيسى عليه الصلاة والسلام
  | 5297   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: مكانة عيسى عليه الصلاة والسلام
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 4 ربيع الأول عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء

 

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،   عباد الله، سورةٌ من كتاب الله -سبحانه وتعالى- تعدل ثلث القرآن على قصرها فيها التوحيد والإخلاص لله –عز وجل-، فيها العقيدة الصافية النقية. أن الله -تبارك وتعالى- لم يتخذ ولدًا، ولم يتخذ صاحبا كما زعمت اليهود والنصارى حيث قالوا: المسيح ابن الله، وقالوا عُزيرٌ ابن الله تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا. ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1] ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾[الإخلاص:2] ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾[الإخلاص:3] ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص:4]. إنه -تبارك وتعالى- لا يحتاج إلى أحدٍ من خلقه، والخلق كلهم محتاجون إليه، فهو الغني والخلق كلهم إليه كلهم فقراء، وهو الصمد الذي لا تستقيم الحياة إلا برعايته، وكلأه، ولطفه -سبحانه وتعالى- إن سورة الإخلاص تُقرر عقيدةً أساسية يجب أن تستقر في سويداء كل مسلمٍ بل كل مخلوقٍ في هذا الكون ألا وهي: أحدية الله –تبارك وتعالى-، ووحدانيته فهو المعبود الأحد الحق، وكل ما سواه عبيدٌ له ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾[مريم:93] ﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾[مريم:94]. وعلى ضوء عقيدة التوحيد الفطرية التي قررتها سورة الإخلاص نستطيع أن نقول بكل ثقةٍ، واعتزاز، وأن نُؤكد لكل البشرية المتخبطة الحائرة بأن عيسى -عليه السلام- عبدٌ لله ورسوله -تبارك وتعالى- فعيسى -عليه السلام- كآدم -عليه السلام- ليس له أبٌ، ولكن لعيسى أمٌ -عليهما السلام-، ولهذا ينسبه -عز وجل- إلى أمه حيث يقول -تبارك وتعالى-: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾[مريم:34]. لقد حارى كثيرٌ من النصارى، واضطربوا، وتناقضوا في أمر عيسى -عليه السلام- هل هو الله؟ أو هل هو ابن الله؟ أو هل هو ثالث ثلاثة؟ ولكن الله - سبحانه وتعالى- لم يلد، ولم يُولد، ولم يتخذ صاحبا ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[مريم:35]، وإذا كان رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- دعا إلى التوحيد، فإن عيسى -عليه السلام- أيضًا دعا إلى توحيد الله، وإفراده بالعبادة، حيث يقول - سبحانه وتعالى-: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ). (72) . وإذا كان نصارى اليوم نسبوا إلى عيسى -عليه السلام- القول: بألوهيته أو بنوته لله -تبارك وتعالى-، فإن عيسى -عليه السلام- سوف يُكذبهم، ويفضحهم على ملأٍ من الأشهاد يوم القيامة حيث يقول الله -عز وجل-:﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾[المائدة:116] ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[المائدة:117]. إن الذين يُؤلهون عيسى -عليه السلام- أو يدّعون أنه ابن الله حاشا الله –عز وجل- عن ذلك أو يقولون: إن الله ثالث ثلاثة أولئك هم الكفار الضلال الفجار الذين يجب نحن أمة التوحيد أن نبرأ منهم ومن أقوالهم. قال الله -عز وجل-:﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة:73]. ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة:74]. ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المائدة:75]. وبعد بيان كفر هؤلاء القوم المنتسبين إلى عيسى -عليه السلام- زُورًا، وبهتانًا، وبعد وضوح ضلالهم هل يجوز لنا نحن المسلمين أن نُشارك الكفار والنصارى في أعيادهم، وفي مناسبتهم الدينية الشركية الكفرية. إن الأعياد النصرانية من الشعائر، والشرائع الدينية المتعلقة بالدين بدينهم، ولقد لُعن اليهود والنصارى بما بدلوا وحرفوا في دين الله وفي كتبه، ولذلك أعيادهم من دينهم المحرف أعياد النصارى يا أمة التوحيد مرتبطةٌ بالكفر الأكبر الذي إذا سمعته الجبال، والسموات، والأراضون كادت أن تتفطر، وأن تتصدع ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا﴾[مريم:88] ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا﴾[مريم:89] ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾[مريم:90] ﴿أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا﴾[مريم:91] ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾[مريم:92]. فإذا كانت السموات، والجبال، والأراضون يتفاعلون هذا التفاعل الرهيب مع الذين ينسبون لله تعالى الولد، فكيف بربكم يا مسلمون؟ تُشاركون النصارى في أعيادهم، وفي احتفالاتهم، وتهنئونهم على باطلهم، ودينهم الذي هو رمزٌ دينيٌ لعقيدتهم الكافرة الضالة أليس ذلك بإقرارٍ منكم على دينهم الباطل. عن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- أنه قال: «من صنع نيروزهم، ومهرجانهم، وتشبه بهم؛ حتى يموت وهو كذلك، ولم يتب حُشر معهم يوم القيامة»، وهذا القول منه يقتضي أن فعل ذلك من الكبائر، وفعل اليسير من ذلك يجر إلى الكثير، بل قد يجره إلى الكفر بالله، وإقرار عقيدتهم الباطلة، فينبغي للمسلم أن يسد هذا الباب أصلًا ورأسًا، فلا يُشاركهم في احتفالاتهم بأي وجهٍ من الوجوه، فلا يجوز بيع الأشياء الخاصة باحتفالاتهم، ولا تهنئتهم فيه، ولا قبول هديتهم أو إهدائهم، ولا يقول لهم: كل عامٌ وأنتم بخير بمناسبة السنة الميلادية، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم. يقول الله -عز وجل-: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان:72]. قال مجاهدٌ وغيره: الزور هو أعياد المشركين. يقول الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى-: وأي منكرٍ أعظم من مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم ومواسمهم، وهم أذلةٌ تحت أيدينا، ولا يُشاركون، ويُشابهوننا في أعيادنا، ولا يفعلون كما نفعل فبأي وجهٍ تلقى ربك؟ فبأي وجهٍ تلقى وجه نبيك غدًا يوم القيامة، وقد خالفت سنته، وفعلت فعل القوم الكافرين الضالين أعداء الدين انتهى كلامه -رحمه الله-. عباد الله إن من الأسس، والأصول التي يقوم عليها دين التوحيد: الولاء في الله، والبراء في الله، وذلك بموالاة الله، وأنبيائه ورسله، وأوليائه من الموحدين، والبراءة من الكفر والشرك وأهله وشعائره. يقول -عز وجل-: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾[المجادلة:22]. وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «أوثق عُرى الإيمان الموالاة في الله، والمُعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله». وقد حرص النبي -عليه الصلاة والسلام- على تأكيد هذه البراءة من الكفار والمشركين حتى كان يمنع من التشبه بهم فيما يختصون به من عاداتهم، وألبستهم؛ لأن التشبه في الظاهر يُورث الميل، والموافقة في الباطل، وكان يزجر عن التشبه بهم أو مشاركتهم في شعائرهم، وعباداتهم، وأعيادهم؛ لأن الأعياد من شعائر الأمم، والملل، وكل عيدٍ لأمة إلا وهو له ارتباطٌ لدينهم، وعقيدتهم، فمن ذلك أنه قدم المدينة فوجدهم يحتفلون بيومين من أيامهم التي ألفوها في جاهليتهم، وتوارثوها جيلًا بعد جيل فأبطلها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأمرهم أن يقتصر احتفالهم بعيد الفطر وعيد الأضحى فكونوا يا عباد الله كونوا أعزة، ولا تكونوا أذلة، ولله العزة، ولرسوله، وللمؤمنين ولكن المنافقون لا يعلمون. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.                                                                                     

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه لا يجوز تهنئة النصارى بأعيادهم، كيف تُهنئونهم؟ والله –عز وجل- قد توعد هذا الكافر بالنار يصلاها خالدًا فيها أبدًا. يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: أما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرامٌ بالاتفاق، وذلك مثل أن يُهنئهم بأعيادهم فيقول: عيدك مبارك أو تهنئ بهذا العيد بغير ذلك من العبارات التي نسمعها اليوم، فهذا إن سلِم قائله من الكفر والعياذ بالله فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثمًا عند الله، وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، فمن هنأ عبدًا بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كفرٍ فقد تعرض لمقت الله وسخطه انتهى كلامه.  ويقول الإمام ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: أما التهنئة بالأعياد فهذه حرامٌ بلا شك وربما لا يسلم الإنسان من الكفر؛ لأن تهنئتهم بأعياد الكفر رضًا بها، والرضا بالكفر كفر، ومن ذلك تهنئتهم بما يسمى بعيد الكريسماس أو عيد الفصح أو ما أشبه ذلك من أعياد النصارى، فهذا لا يجوز إطلاقًا حتى وإن كانوا يُهنئوننا بأعيادنا فإننا لا نُهنئهم بأعيادهم، والفرق أن تهنئتهم إيانا بأعيادنا تهنئة الحق، وأن تهنئتنا إياهم بأعيادهم تهنئة بباطل. انتهى كلامه -رحمه الله-. ومن صور الاحتفال عباد الله بأعيادهم ما يفعله كثيرٌ من المسلمين من بيع ما يتعلق بهذا الاحتفال من الأشجار أو الصور أو الألوان التي تدل على عيدهم، وكذلك ما يفعله بعضهم من إشعال الألعاب النارية في رأس السنة عند منتصف الليل، وإنك حقًا لتأسف أن ترى مثل هذه الأعمال التي يفعلها بعض المسلمين.                                   ثم اعلموا أن النصارى أنفسهم مختلفون في وقت الميلاد للمسيح اختلافًا شديدا، والقرآن يُخالفهم في وقت مولده –عليه السلام- فهم يقولون في آخر السنة، والله -عز وجل- يقول: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾[مريم:25]. إذًا فميلاد المسيح -عليه السلام- إنما كان في أيام نضج التمر، في الخريف يوم كانت الحرارة التي قد بلغت أشدها، وهذا يكون في نصف السنة، ولا يكون في آخرها.  فاتقوا الله وحققوا الولاء، والبراء تكونوا من المهتدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، اللهم ثبتنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار. اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.