ختام شهر رمضان موعظة وأحكام
ختام شهر رمضان موعظة وأحكام
  | , 4721   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: ختام شهر رمضان موعظة وأحكام.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 23 رمضان عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

 
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،    عباد الله، فإننا اليوم نترقب محزونين انتهاء شهر رمضان كما كنا بالأمس القريب نترقب قدومه فرحين، وحق لكل مسلمٍ أن يفرح بقدومه، وأن يأسى ويحزن لفراقه؛ لأنه شهر كريم وموسمٌ عظيم تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه الشياطين فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر.  من صام هذا الشهر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه موسم تضاعف فيه الحسنات، وتكفر فيه السيئات، وتغفر فيه الذنوب، شهر الصيام والقيام، وإطعام الطعام وقراءة القرآن والمبادرة إلى فعل الخيرات، شهر العتق من النيران. عباد الله، إن كان الشهر قد انقضت أكثر أيامه مسرعة فهذه سنة الله في خلقه، فترقب لكل موجود زوالا ولكل مقيمٍ انتقالاً، إنها ذكرى لمن يتذكر، وعظةٌ لمن يتعظ أن الأعمار سريعة الانقضاء فكل ما مضى من العمر وإن طال فإنه كحلمٍ، وإذا انقضى الشيء فكأنه ما كان. فلا تغرنكم هذه الحياة بزخرفها وزهرتها فإنها حياةٌ فانية زائلة، ثم تصيرون إلى دار الخلود الذي لا موت فيه، فاجتهدوا أن تكونوا في الحياة الآخرة من أهل دار السرور والحبور دار القصور المنيفة، والدرجات الشريفة دار الجنان والأنهار، دار التلذذ بالنظر إلى وجه الله ذي الجلال والإكرام. دار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. واحذروا ثم احذروا من المصير إلى دار الأحزان والحسرات دار الأغلال والسعير دار الضريع والزقوم ودار الخزي والهوان، فبئست الدار وبئس القرار أجارنا الله وإياكم منها. عباد الله، إن طريق الجنة الإيمان والعمل الصالح، وإن طريق النار الكفر بالله ومعصيته فاتقوا الله في أنفسكم، وتزودوا من دنياكم لمعادكم، واسلكوا سبيل الجنة واحذروا سبل النار.   عباد الله، إن المتبقي من شهر رمضان وإن كان قليلًا إلا أنه عظيم الشأن فبادروا بالتوبة النصوح، وبادروا إلى الاستغفار والذكر والدعاء والتضرع إلى الله، قد جاء في الحديث الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «رمضان إلى رمضان كفارةٌ لِمَ بينهما ما اجتنبت الكبائر»، فيا أيها المصرون على الصغائر، ويا أيها الواقعون في الكبائر بادروا بالتوبة، والإقلاع لعل الله أن يشملكم برحمته وغفرانه ورضوانه فإنها فرصةٌ قد لا تدركونها بعد عامكم هذا. وقد تكون ليلة القدر فيمن بقي من الليالي فلا تتكاسلوا عن القراءة، والقيام والذكر والصدقة وشتى أنواع العبادات. عباد الله، يا من وفقتم لصيام الشهر وقيامه, ويا من وفقتم إلى تلاوة القرآن والمبادرة إلى كثير من الأعمال الصالحة لا تركنوا إلى أعمالكم، ولا تغتروا بما قدمتم فما وفقتم إلى عملٍ صالحٍ إلا بتوفيق الله لكم وإعانته إياكم فاحمدوا الله واشكروا له على إنعامه وسلوا ربكم القبول فإن المؤمن الصادق هو الذي يجمع بين العمل الصالح والخوف من الله ألا يتقبل منه عمله كما قال –عز وجل-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾[المؤمنون:60] روى أحمد عن عائشة –رضي الله عنها- أنها سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أهل هذه الآية أهم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ فقال: «لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصلون ويتصدقون ويخافون ألا يقبل منهم». فابتهلوا إلى الله وتضرعوا إليه أن يتقبل منكم صالح أعمالكم. عباد الله، إن من الناس من يرى شهر رمضان شهر للعبادة، وأن ما عداه من الشهور شهور تقصيرٍ وتفريطٍ ومعصية، ولهذا فهم في رمضان من أهل صلاة الجماعة، ومن أهل قيام الليل، ومن أهل قراءة القرآن، ومن أهل البر والإحسان والصدقة يصون البصر ويصون السمع فإذا انتهى رمضان هدم ما بنا، ونقض ما عقد، وأفسد ما أصلح، وهجر القرآن فلا يقرؤه إلا قليلا، وهجر صلاة الجماعة فلا يشهدها أو لا يشهد منها إلا قليلًا وإذا قام إليها قام كسلانًا ثقيلًا يطلق العنان لبصره ولسمعه، فلا يبالي أصرفها في حلال أم حرام يلغ في أكل الحرام وكأن ما حلَّ في اليد فهو حلالٌ، فهذا الصنف على خطرٍ عظيمٍ؛ لأنهم ما فهموا حقيقة العبادة التي خلقوا لأجلها؛ لأن الله خلق الثقلين لعبادته، وأمرهم بها إلى يوم يلقونه كما قال –عز وجل-: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[الحجر:99] يقول الحسن البصري –رحمه الله-: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلًا دون الموت".     إن هذا الصنف من الناس لم يفهم أن رمضان موسمٌ للازدياد من العبادة والطاعة والبر، ولكنه فهم أن رمضان موسمٌ للطاعة، وأن ما عداه مواسمٌ للغفلة والتضييع والتفريط. راجعوا أنفسكم، وراجعوا فهمكم لحقيقة دينكم, راجعوا أنفسكم وتذكروا أنكم تعبدون رب رمضان، ولا تعبدون رمضان وبئس القوم الذين لا يعرفون ربهم إلا في رمضان راجعوا أنفسكم وتذكروا أن العبرة بالخواتيم . والذي يحسن في رمضان، ويسيء بعده لم يختم عمله بخير، وإنما يَختم بخير من كان عمله كله خيرًا؛ لأنه متى جاء الأجل صادفه على عملٍ صالحٍ فداوموا على فعل الخيرات، وترك المنكرات تفوزا وتسعدوا. عباد الله، إن مواسم ربنا ونفحاته ليست خاصةً برمضان فلله مواسم أخرى جعلها لعباده حتى يتزودوا فيها من الصالحات، ولذا شُرع لهم صيام ستٍ من شوال بعد رمضان، وشرع لهم صيام الاثنين والخميس وصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وصيام يوم عرفة وعاشوراء، رتب لهم على صومهم الأجر والثواب الجزيل . ينزل ربنا في كل ليلةٍ في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا فينادي عباده يدعوهم إلى التوبة وإلى الاستغفار، وإلى سؤاله الحاجات وذلك في كل ليلة، فيُشرع القيام في كل ليلةٍ من ليالي السنة، وليس خاصًا برمضان، وإنما الجماعة خاصة برمضان، وفي يوم الجمعة كذلك ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ يدعو الله إلا استجاب الله دعاءه. وشرع الاستكثار من الأذكار ورتب على الذكر رفع الدرجات، وزيادة الحسنات وتكفير السيئات ولو كانت مثل زبد البحر. وشرع لعباده نوافل الصدقات وقراءة القرآن وغير ذلك الطاعات فمن شاء فليتزود؛ فإن السفر بعيد، والرحلة شاقة وخير الزاد التقوى . اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وطاعاتنا واغفر ذنوبنا وسيئاتنا وتجاوز عنا. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله، مما شرع الله لعباده في ختام صدقة الفطر، وقد شرعت لحكم بالغة ومن حكمها: أنها طاهرة للصائم من اللغو والرفث الذي حصل منه في هذا الشهر، وهي كذلك شكرٌ لله على نعمة إتمام صيام الشهر. ومن حكمها: أنها مواساةٌ للفقراء والمساكين في يوم عيدهم فإن الجائع لا فرحة له. وصدقة الفطر واجبة، وحكا بعضهم الإجماع على وجوبها، وإنما تجب على من ملك صاعًا من طعامٍ زائدًا عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقتهم يوم العيد وليلته، الدليل على وجوبها ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من طعام صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة». فقوله: «فرض» دليلٌ على وجوبها؛ لأن الفرض معناه الإيجاب والإلزام. وتخرج صدقة الفطر من قوت البلد سواء من الأصناف المذكورة في الحديث أو من غيرها إن كان قوت أهل البلد من غير هذه الأصناف. ولا يجوز إخراجها نقودًا أو ملابس أو نحو ذلك، ومن كان فقيرًا حقًا فإنه ينتفع بالطعام ولابد. والسبب في عدم إجزاء غير الطعام أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فرضها من الطعام فلا تترك سنته لقول أحدٍ كائنًا من كان، قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: لا يعطي القيمة أي؛ لا يخرجها مالًا، قيل له: قوم يقولون إن عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة؟ قال: يدعون قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقولون قال فلان، وقد قال ابن عمر: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا من طعام .. الحديث. ووقت وجوبها: غروب الشمس آخر ليلة من شهر رمضان، فمن وُلد له ولد قبل غروبها أخرج عنه وكذا إذا أسلم الكافر قبل غروبها أخرجها عن نفسه، أما إذا أسلم بعد الغروب أو ولد المولود بعد الغروب أو مات المسلم قبل الغروب فلا تلزمهم؛ لأنهم لم يدركوا وقت وجوبها لكن يستحب إخراجها عن الجنين في بطن أمه لِمَ ورد عن الصحابة. وتؤدى زكاة الفطر قبل الخروج لصلاة العيد لحديث ابن عمر: «أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة». ولا حرج أن تؤدى قبل العيد بيومٍ أو يومين، وأما إخراجها أول الشهر أو وسطه فهذا خلاف المشروع، ومن فعل ذلك أخرجها مرةً أخرى في موعدها الشرعي. عباد الله، لقد شرع الله تعالى التكبير ليلة عيد الفطر إلى الصلاة ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[البقرة:185]، ويرفع صوته فيه ولو كان في مجامع الناس والأسواق من غير تلحينٍ، ولا تكبير جماعي بل كلٌ يُكبر وحده إلى أن يبدأ الإمام صلاة العيد. عباد الله، إن الله جعل عيد الفطر يومًا يفرح فيه المسلمون بإتمام نعمة الصيام الذي هو رابع الأركان، كما جعل عيد الأضحى يومًا يفرح فيه المسلمون بأداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو حج بيت الله الحرام. والعيد يومٌ يفرح فيه المسلمون بنعمة الله، وشكرٌ لله –عز وجل- ، وقد شرع الله فيه لعباده صلاةً عظيمة هي صلاة العيد وكثيرٌ من المسلمين يتهاون في أدائها وحضورها مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم -كان يأمر الناس بالخروج إليها حتى كان يأمر بخروج الحيض إلى المصلى فيكن من وراء الناس يشهدن دعوة المسلمين. كما يستحب التجمل للعيد، ولبس أحسن الثياب، وإذا خرج من طريقٍ رجع من طريقٍ آخر، ويأكل تمراتٍ قبل الخروج للصلاة، ويأكلهن وترًا، وصلاة العيد ليس لها آذانٌ، ولا إقامةٌ، ولا سنةٌ قبلية، لكن إذا صلى في المسجد يركع ركعتين قبل الجلوس، والسنة أداء الصلاة في المصلى خارج البلد. عباد الله، كثيرٌ من المسلمين صيروا يوم العيد يوم لهوٍ وغفلةٍ ومعصية فلا يعرفون فيه إلا المعازف والأغاني وتضييع الجماعة وهذا غلطٌ عظيم فالمعازف محرمةٌ في يوم العيد وقبله وبعده كما ثبت في النصوص الشرعية فافرحوا في يوم العيد بفضل الله وبنعمة بإتمام الصيام ولا تفعلوا ما يسخط ربكم عليكم. اللهم تقبل منا صيامنا، اللهم تقبل منا صيامنا ، اللهم اجعلنا ممن يقوم ليلة القدر، ويحوذ ثوابها يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن يحوذ ليلة القدر، ويحوذ ثوابها يا رب العالمين ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.