بادروا الى الحج
بادروا الى الحج
  | 3387   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: بادروا الى الحج
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 10 ذو القعدة عام 1435هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نعبده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:- فإن أصدق الحديثِ كلام الله، وخير الهدي هديُ محمد- صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:- عباد الله، اتقوا الله -عز وجل-، اتقوا الله واعملوا ليوم لقاه فما أسرع مضي الأيام والليالي، وما أقرب انقضاء الآجال، والانطراح بين أطباق الثرى انتظارًا لمنادي الله -عز وجل-، قال الله: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [المائدة: 119]. عباد الله، إن الحج إلى البيت العتيق من فرائض الإسلام، وأحد مبانيه العظام فرضه الله -جل وعلا- مرةً في العمر في موسمه الذي عقده فيه، يقول -عز وجل-: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]، جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) متفق عليه. فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر، ومن أقر بها وتركها تهاونًا فهو على خطر، يقول علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-: ((استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه)). عباد الله، إن بيت الله الحرام منارة التوحيد بناه إمام الموحدين، وأمره الله أن يطهره من الرجس والأوثان، كما أمره أن يؤذن في الناس بالحج، يقول -عز وجل-: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [الحج: 27 - 29]، كما حث نبينا -صلى الله عليه وسلم- على الحج ورغب فيه، فعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه قال-: ((لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمنه، قال فقبضت يدي، قال: مالك يا عمرو، قال قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا، قلت: أن يغفر لي، قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: أما علمت أن الإسلام يجب ما قبله، وما علمت أن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)) رواه مسلم، يفسر هذا الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) متفق عليه، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة)) وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله: إن عبدا صححت  له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم)). وللحاج عباد الله، دعوة مستجابة كما جاء في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)). والحاج في حفظ الله تعالى حتى يرجع إلى أهله، كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((ثلاثة في ضمان الله -عز وجل-، رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازيًا في سبيل الله، ورجل خارج حاجًا)). عباد الله، مما جاء في فضل الحج حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: للرجلان اللذان سئلا عن فضائل الحج وأعماله، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أما خروجك من بيتك تئم البيت الحرام فإن لك بكل وطئه تطأها راحلتك يكتب الله لك حسنة، ويمحو عنك بها سيئة، وأما وقوفك بعرفة فإن الله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي الملائكة فيقول: هؤلاء عبادي جاءوا شعثًا غبرًا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي، ولم يروني فكيف لو رأوني فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوبًا غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة، فإن طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك)) رواه الطبراني وحسنه الإمام الألباني. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة)) رواه أحمد. إن في هذه النصوص عباد الله، نداءٌ إلى المبادرة إلى الحج تلبية لأمر الله -سبحانه وتعالى-،  واقتفاء لهدي الخليلين -عليهما السلام-، وتطهيرًا للنفوس من ذنوبها، وارتقاءً العبودية ودرجاتها، فأعدوا العدة للحج خصوصًا من لم يكن قد قضى فرضه، كم أعد الناس والشباب في السفر في هذا الصيف، وإذا جاء الحج قالوا: لا نستطيع، فاتقوا الله -عز وجل- واقضوا فرضكم، واعبدوا ربكم تحوزوا الأجور العظيمة عند الله -سبحانه وتعالى-. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  

الخطبة الثانية

  الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى أله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:- عباد الله، فإن للحج مقاصد وأهداف، ومن أعظمها: تذكر الأخرة فحينما يجتمع الناس في صعيد واحد ليس بينهم تفاضل ولا تغاير، لا فضل لأحد على أحد فيه فإنه يذكر بالأخرة التي يحشر فيها الخلق دون تمايز، ثم يتفضل الله -عز وجل- على عباده المؤمنين بالستر والجنة. ومن مقاصده أيضًا: أن الحج شعار الوحدة، ونموذج عملي لإمكانية اتحاد المسلمين متى ما طرحوا التنافس على الدنيا، ورجعوا إلى كتاب الله، وإلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجدوا في إقامة دين الله وحدةٌ في المشاعر، ووحدةٌ في الشعائر، ربٌ واحد، ونبي واحد، وقبلة واحدة، فأي وحدةٍ أعظم من هذه، وحينما تنقل شعائر الحج ومظاهره عبر الإذاعات والقنوات، ويرى العالم كله هذا المنظر يُسر به المؤمنون وربما يتأثر به الكفار والمنافقون، وهم يرون مئات الألاف من المسلمين تتقاطر صوب البيت العتيق، لم تدعهم حكومة ولا هيئة، ولم يغرهم طمع دنيوي، إنما هو محض الاستجابة لله رب العالمين، فإذا قلب الأعداء صفحات التاريخ وجدوا هذا المنظر يتكرر سنويًا منذ دعا له الخليل -عليه السلام-، وحتى الأن وإلى قيام الساعة، يقول -عز وجل-: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ(96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:96-97]. اللهم وفقنا لطاعاك، اللهم وفقنا لطاعتك، اللهم أعنا على حج بيتك الحرام،  واغفر لنا جميع الذنوب والخطايا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اهدنا بفضلك سبل السلام، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك، اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها معادنا. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وصلى الله وصلم على نبينا محمد.