النهي عن السفر لبلاد الكفر بغير حاجة
النهي عن السفر لبلاد الكفر بغير حاجة
  | , 3647   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: النهي عن السفر لبلاد الكفر بغير حاجة .
  • ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 23 رجب 1432.

  العنوان: النهي عن السفر لبلاد الكفر بغير حاجة . ( الخطبة الأولى ). إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وأما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار, أما بعد: عباد الله.. اتقوا الله تعالى وحافظوا على دينكم وإنكم لتعلمون اليوم ما تموج به البلاد الخارجية الكافرة من كفر وإلحاد وانحطاط في الأخلاق والسلوك، فالإلحاد فيها ظاهر، والفساد فيها منتشر، فالخمور والزنا والإباحية وسائر المحرمات مبذولة بلا رادع ولا وازع, فإذا كان الأمر كذلك وأكثر منه فالسفر إلى هذه البلاد فيه من الخطورة على الدين ما فيه، وأعز شيء لدى المسلم دينه، فكيف يعرضه لهذا الخطر الشديد؟! قال بعض السلف: إذا عَرَضَ بلاء فقدِّم مالَك دون نفسك، فإن تجاوز البلاء فقدِّم نفسك دون دينك. نعم، يجب تقديم النفس دون الدين، إن الإنسان لو كان معه مال وسمع أنه سيعترضه خطر يهدده بضياع هذا المال لرأيته يعمل أعظم الاحتياطات لحفظه, فكيف يعظم في عينه المال ويهون عليه الدين؟! يقول بعض السلف: إذا عرض بلاء فقدم مالك دون نفسك, فإن تجاوز البلاء فقدم نفسك دون دينك, ولذلك شرع الجهاد الذي فيه القتل حفاظًا على الدين؛ لأن الإنسان إذا فقد الدين فقد كل شيء, وإذا أعطي الدين فقد أعطي السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة. عباد الله إن السفر إلى بلاد الكفار خصوصًا في هذا الزمان الذي عظمت فيه الفتنة وتنوعت, إن السفر إلى تلك البلاد لا يجوز إلا بحاجة ماسة كالعلاج أو تعلم علم لا يكون إلا علم الكفار منهم ومن الدنيا أو غير ذلك من الحاجات مع اعتزازه بدينه وإظهار دينه ومحافظته على الصلوات في أوقاتها، واعتزاله عن مجمعات الفساد وجلساء السوء، وإظهار الولاء والبراء, فاعتزاز المسلم بدينه يزيده عزًا ورفعة؛ حتى في أعين الكفار، إن المسلم يحمل دينًا عظيمًا يشتمل على كل معاني الخير وحميد الخصال, صحةً في الاعتقاد ونزاهةً في العِرض واستقامةً في السلوك وصدقًا في المعاملة وترفعًا عن الدنايا وكمالاً في الأخلاق. إن المسلم يحمل الدين الكامل الذي اختاره الله لأهل الأرض كلهم إلى أن تقوم الساعة، إن المسلم هو المثال الصحيح للكمال الإنساني، وإن ما عدا الإسلام فهو انحطاط وهبوط ورجوع بالإنسانية إلى مهاوي الرذيلة ومواطن الهلاك، فيجب على المسلم إذا اضطر إلى السفر إلى تلك البلاد الكافرة أن يحمل هذا الدين بقوة، وأن يظهره بشجاعة أمام أعدائه الذين يجهلون حقيقته بالمظهر اللائق؛ حتى يكون قدوة صالحة لغيره ويكون داعية أينما حل. إن كثيرًا ممن يذهبون إلى تلك البلاد يشوهون الإسلام بأفعالهم وتصرفاتهم, يشوهونه عند من لا يعرف حقيقته, ويصدون عنه من يتطلع إليه ويريد الدخول فيه, فحينما يرى تصرفات هؤلاء ينفر عن الإسلام ظناً منه أنهم يمثلونه. عباد الله إن بلاد الكفار فيها من مظاهر الحضارة الزائفة ودواعي الفتنة ما يخدع ضعاف الإيمان فتعظم تلك البلاد وأهلها في صدورهم، وتهون في أنظارهم بلاد الإسلام, ويحتقرون المسلمين؛ لأنهم ينظرون إلى المظاهر ولا ينظرون إلى الحقائق, فبلاد الكفر وإن كانت تكسي بالمظاهر البراقة الخادعة، إلا أن أهلها يفقدون أعز شيء وهو الدين الصحيح الذي به تطمئن القلوب وتزكو به النفوس وتصان به الأعراض وتحفظ به الأموال والدماء، إنهم يفقدون كل تلك المقومات، فماذا تفيدهم تلك المظاهر الخادعة؟ عقائدهم باطلة وأعراضهم ضائعة وأسرهم متفككة وأخلاقهم منحّلة, فماذا يفد جمال البنيان مع فساد الإنسان؟ عباد الله إن أعداءكم يخططون الخطط لسلب أموالكم وإفساد دينكم والقضاء عليك, قال -عز وجل-: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾[البقرة:109]. وقال -عز وجل-: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾[النساء:89]. إنكم إذا سافرتم إليهم في بلادهم تمكنوا من إغوائكم وإغرائكم بشتى الوسائل؛ حتى يسلبوكم دينكم أو يضعفوه في نفوسكم، بثوا الدعايات والإعلانات وغرضهم إفساد الشباب وإغراقهم في بحر الشهوات؛ حتى يرجعوا إلى بلاد المسلمين معاول هدم وتخريب فينشرون الزنا ويروجون المخدرات فيكون القضاء علينا بأيدي أبنائنا. عباد الله إنه لمن المحزن أن أصبح السفر إلى بلاد الكفر موضع افتخار بعض المخدوعين من المسلمين، والبعض لا يخاف على عرض أهله فيسافرون بعوائلهم للمصيف هناك أو للسياحة دون اعتبار لحكم الشرع في ذلك السفر, هل يجوز أم لا؟ فهو محرم بلا شك إلا لضرورة أو لحاجة من حوائج الإنسان, وحجته على ذلك السفر شدة الحر في بلاده أفلا يعلمون قوله تعالى:  ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾[التوبة:81]. ثم إذا ذهبوا هناك ذابت شخصيتهم مع الكفار، فلبسوا لباسهم واقتدوا بأخلاقهم؛ حتى نساؤهم يخلعن لباس الستر ويلبسن لباس الكافرات أو على أحسن أحوالهن تكون مضطرة أن تخلع حجابها وتكشف وجهها خوفًا من انتقاد الكفار والله أحق أن يخشوه، إن المسلم مطلوب منه أن يتقي الله في أي مكان وأن يتمسك بدينه ولا يخاف في الله لومة لائم, لماذا يعطي الدنَّية في دينه؟ إنه دين العز والكرامة والشرف في الدنيا والآخرة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾[المنافقون:8]. وإن أخلاق الكفار وتقاليدهم ذلة ومهانة ونقص, فكيف يستبدل المسلم الذي هو أدنى بالذي هو خير! كيف يتنازل من عليائه إلى الحضيض! فاحرص أيها المسلم أن يكون سفرك سفرًا للطاعة أو سفرًا مباحًا ليس فيه نية معصية لله تعالى، وأن يبتعد المسلم عن مواطن الفتن ومجتمعات الفساد وحافظ على أهلك وعرضك, اللهم أحفظنا بحفظك واكلئنا برعايتك, أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو غفور رحيم. ( الخطبة الثانية ) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد: عباد الله للصلاة في السفر أحكام ينبغي على المسلم أن يتعلمها, فبالنسبة لقصر الصلاة في السفر فيقول الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله تعالى-: وبكل حال فالمقام مقام خلاف بين أهل العلم وفيه عدة أقوال لأهل العلم, لكن أحسن ما قيل في هذا وأحوط ما قيل في هذا المقام هو قول الجمهور وهو أنه إذا نوى المسافر الإقامة في مدينة معينة أو في أي مكان أكثر من أربعة أيام أتم الصلاة، وإن نوى إقامة أقل قصر الصلاة، وإذا كانت ليس له نية محددة، يقول: أسافر غدًا أو أسافر بعد غد، يعني له حاجة يطلبها أو أمل يبتغي انتهائه لا يدري متى ينتهي، فإن هذا في حكم السفر وإن طالت المدة. وأما الجمع ففيه تفصيل فإن كان على ظهر سير؛ أي في الطريق للسفر فالأفضل الجمع تقديمًا أو تأخيرًا حسب ما تقتضيه الحال لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه كان إذا كان على ظهر سير جمع المغرب مع العشاء, والظهر مع العصر, أما إن كان المسافر نازلًا فالأفضل له عدم الجمع بل يصلي كل صلاة في وقتها لأنه -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع لم يجمع بين الصلاتين حال نزوله في منى, فيكون الجمع بالنسبة له عند الحاجة، فمتى ما احتاج الجمع جمع بين الصلوات، وإن كان ماثلًا في بلد فدخل وقت نداء صلاة الجمعة فينبغي عليه أن يصلي مع الناس الجمعة, وأنه إن كان في الطريق فلا تجب عليه الصلاة، ولا يصح أن يجمع معها صلاة العصر, فالجمعة لا تجمع مع العصر لا في سفر ولا حضر, وإذا صلى الفريضة في الطائرة أو في الصحراء فعليه أن يجتهد في معرفة القبلة بسؤال أهل الخبرة أو المضيفين في الطائرة أو بالنظر في علامات القبلة؛ حتى يصلي إلى القبلة على بصيرة؛ لأن بعض الناس يتساهل في شأن القبلة إذا كان يصلي في الطائرة فإن لم يتيسر العلم بذلك اجتهد وتحرى جهة القبلة وصلى إليها ويجزئه ذلك ولو بان بعد ذلك أنه أخطأ القبلة؛ لأنه قد اجتهد واتقى الله ما استطاع، ولا يجوز له أن يصلي الفريضة في الطائرة أو في الصحراء بغير اجتهاد، فإن فعل فعليه إعادة الصلاة لكونه لم يتق الله ما استطاع ولم يجتهد لمعرفة القبلة, بل حتى إذا كان في الفندق فعليه أن يسأل الموظفين فيه عن القبلة؛ لأن بعض الناس كذلك يتساهل أو يجتهد بنفسه قبل سؤال من يكون معتمدًا في ذلك الموطن, والواجب على المسلم في الطائرة إذا حضرت الصلاة أن يصليها حسب الطاقة فإن استطاع أن يصليها قائما ويركع ويسجد فعل ذلك، ولا يجوز له أن يصلي جالسًا, وإن لم يستطع صلى جالسًا وأومأ بالركوع والسجود فإن وجد مكانًا في الطائرة يستطيع فيه القيام والسجود في الأرض، وهذا هو الغالب في الطائرة بدلا من الإيماء وجب عليه ذلك لقوله سبحانه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن:16]. وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمران بن حصين وكان مريضًا: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب», والأفضل له أن يصلي في أول الوقت فإن أخرها إلى آخر الوقت ليصليها في الأرض فلا بأس إذا لم يخش فوات الوقت لعموم الأدلة على ذلك, كل هذا في الفريضة, أما النافلة فلا يجب فيها استقبال القبلة حال كونه في الطائرة أو السيارة أو على الدابة؛ لأنه ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه كان في سفره يصلي النافلة وهو على بعيره إلى جهة سيره، لكن يُستحب له أن يستقبل القبلة حال الإحرام، ثم يُكمل صلاته إلى جهة سيره؛ لأنه ثبت من حديث أنس -رضي الله عنه- ما يدل على ذلك. عباد الله اعتصموا بكتاب ربكم وسنة نبيكم وتآلفوا فيما بينكم وابتعدوا عن أسباب النزاع والشقاق تكونوا من الناجين, اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, اللهم أحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم على نبينا محمد.