الخوارج لا للإسلام نصروا ولا للكفر كسروا
الخوارج لا للإسلام نصروا ولا للكفر كسروا
  | , 3452   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: الخوارج لا للإسلام نصروا ولا للكفر كسروا
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 18 ربيع الأول عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء

 
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،   عباد الله، في الوقت الذي تعاني فيه الأمة ما تعاني من تسلط أعداء الله الكفار على بلاد المسلمين يعيثون فسادًا وقتلًا وتدميرا، وفي الوقت الذي تناثرت فيه أشلاء المسلمين هنا وهناك، في أصقاع الدنيا من قِبل أعداء الله من الكفرة والملحدين، وفي الوقت الذي تكالبت فيه قوى الكفرِ على عقائد المسلمين، تشويهًا وتنفيرًا من هذا الدين الذي هو دين الرحمة والعدل والإحسان، والخير للناس كافة، وفي هذا الوقت الذي تمر به أمة الإسلام من ضعف وخور وهوان من الناس، في هذا الوقت وقبله، تخرج علينا ثُلةٌ فاسدة، وفئةٌ ضالة، لتزيد جراحًا فوق جراحها، وإمعانًا في الكيد لهذا الدين، طغمةٌ فاسدة، باعت دنياها بآخرتها، وسلَّمت عقولها للهوى والشيطان، وأفرحت أعداءنا من اليهود والنصارى وغيرهم من الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر، تلكم عباد الله هي الجرائم التي تقع في شتى بلاد المسلمين، على يد عُصابةٍ ألِفت منظر الدماء والأشلاء، وحُرِمت بجهلها وظلمها كلَّ عافية ونور وضياء، فيا لله كم من نفوسٍ معصومةٍ قد قَتَلت، وكم من أطفال ونساءٍ قد روعوا، وكم من مصالح قد عُطِّلت، وكم من أعداءٍ قد فرحوا بأفعال هؤلاء الضالين. ومن ذلك: حادثتهم الأخيرة في قتل حرس الحدود في المملكة العربية السعودية ظلمًا وخيانًة وقتلًا للنفس وانتحارًا فمات بفعلها ميتةً جاهلية شابان أغرار حُدثاء الأسنان يهاجمون مركزًا حدوديًا يقوم جنوده بحمايته؛ حفاظًا على أمن بلادهم بلاد التوحيد، وسلامته فيقتلون الجنود الموحدين المصلين ثم يتظاهرون بالاستسلام، وطلب الأمان فلما أمنهم الجنود فجروا حزام الغدر والدناءة فقتلوا أنفسهم الخبيثة، وقتلوا من كان من رجال الأمن، ونجَّا الله من نجَّا منهم بفضله. لقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- الخوارج: بأنهم حدثاء، وأنهم يكفِّرون المسلمين، ويرمونهم بالشرك بعدما قرؤوا القرآن على جهلٍ، وفسروه بغير علمٍ، وأنهم لذلك يستحلُّون دماءَ المسلمين، بل إنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، فها هي صفاتهم التي وصفهم بها نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى، ها هم يكفروننا ويكفرون حكامنا، ولذلك يستحلون دماءنا ودماء جنودنا، ويشترون بذلك الجنة في زعمهم، لا تعجب حين تراهم يقتلون المسلمين، بل ويقتلون المصلين في المساجد، فأسلافهم من قبلُ اجتمعوا في النهروان لقتل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكفروهم بعد ما قتلوا عبدَ الله بنَ خبَّاب، صاحبُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبقروا بطنَ امرأتهِ الحامل، وقتلوا جنينها، وقد قتلوا عليَّا -رضي الله عنه- وهو خارجٌ إلى صلاة الفجر، وأصابوا معاويةَ بضربةٍ بالسيف في صلاة الفجر، وقتلوا نائبَ عمرَ بنَ العاصِ في صلاة الفجر، بل وأعدُّوا هذه الخطة كلَّها في المسجد الحرامِ في رمضان، ورجع الصحابي الكريم عُبادةُ بنُ قُرصٍ -رضي الله تعالى عنه- من الغزو حتى بلغ قريبًا من الأهواز، ٍ فسمع أذانًا، فلما جاء للجماعة يريد أن يُصَلِّيَ معهم إذا هم قومٌ من الخوارج، فلما رأوهُ قالوا : ما جاء بك يا عدوَّ الله ؟ قال: ما أنتم بإخواني ؟! ، قالوا: أنت أخو الشيطان، والله لنقتلنَّك، قال : أما ترضَونَ مني ما رضي به مني رسول الله-صلى الله عليه وسل ؟ قالوا: وما رضي منك ؟ قال: أتيتهُ وأنا كافرٌ فشهدتُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فَخَلَّى سبيلي وأعلن إسلامي، فلم ينفع فيهم هذا الكلام بل ذبحوه وقتلوه -رضي الله عنه- . عباد الله، ما زال هؤلاء الخوارج ينهشون في جسد الأمة، ويفتكون بالأبرياء، والمعاهدين، والمستأمنين، ويروعون المسلمين المصلين، ويقتلون رجال الأمن الذين يبيتون على حراسة الأمة ونشر الأمان، فنفوسهم قد ألِفت الغدر والخيانة، والكذبَ على الله وعلى رسوله أن ما يقومون به من الدين ومن الجهاد في سبيل الله ألا فلتعلموا عباد الله، أن أفعالهم هذه ليست من الدين في شيء، والجهاد منهم بريءٌ بل عملهم من أكبر المحرمات في دين الله، فقد جمعوا في أعمالهم الشنيعة كثيرًا من المحرمات والمنكرات من ذلك ما يحصل من سفكٍ للدماء المعصومة كنفس المسلم أو كنفس الكافر الذمِّيِّ أو المعاهد أو المستأمن. يقول -عز وجل-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾[النساء:93]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاما» رواه البخاري، وفي أفعالهم شقٌّ لعصا الطاعة، ومفارقةٌ للجماعة، وخروجٌ على ولاةِ الأمر، وهذه من كبائر الذنوب فكما جاء عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات ميتةً جاهلية ومن قاتل تحت رايةٍ عُمِيَّة يغضبُ لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقِتلةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدٍ بعهده، فليس مني ولست منه».                                                                                       ومن أفعالهم المنكرة: إخفارُ ذمةِ أولي الأمر، وذمة المسلمين، وهذا قد ورد اللعن فيه، ومعناه نقضُ العهدِ الذي أعطاه وليُّ الأمر لأحدٍ من الكفار كما في صحيح مسلمٍ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ذمةُ المسلمين واحدة، فمن أخفرَ مسلمًا فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفٌ ولا عدل». ومن المنكرات التي يفعلونها: الافتراء على الله بأن هذا العمل من الدين وهو ليس من الدين في شيء بل مصادمٌ لدين الإسلام. وفي أفعالهم: زعزعةٌ للأمن في هذا البلد وفي غيره من بلاد المسلمين، وفيه تشويهٌ لصورة الإسلام والمسلمين، حيث يظنُ من كان يريدُ الدخول في الإسلام من الكفار بأن هذا العمل وهذه الأخلاق من الغدر والخيانة يظنونها من الإسلام فينفرون منه، ويجد الحاقدون من الكفار مسوِّغًا للطعن في ديننا، ومنع دعاتنا من دخول بلدانهم ودعوة الناس إلى الخير فأفعال هؤلاء كانت سببًا للصد عن دين الله، ومفاسدُ هؤلاء الخارجين، والمحرمات التي يرتكبونها كثيرة، لا يمكن حصرها في هذا المقام كالكذب، والتزوير، والغش، وعصيان الوالدين، وحربِ العلماء والطعن فيهم وغيرِ ذلك.                                                      عباد الله إن خطر هؤلاء الخوارج على الإسلام والمسلمين عظيم لذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذر منهم أشدَّ التحذير، وتبعَهُ على ذلك صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- والسلف جميعًا.  فمن ذلك : ما جاء عن أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من ضئ ضئ هذا – أي من نسل وأتباع ذي الخويصرةِ قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عادٍ» بل حث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على قتلهم وقتالهم، ويكون ذلك للإيمان ومن يوليه على ذلك فكما جاء عن علي –رضي الله عنه- أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم -أي؛ حناجرهم- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة»، وقال –عليه الصلاة والسلام-: «لو يعلم الجيش الذين يصيبنهم من قضي لهم على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لاتكلوا عن العمل». ووردت أحاديث كثيرةٌ بأنهم شرُّ الخلق والخليقة كما جاء عنه –عليه الصلاة والسلام-: « أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي - قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَلاَقِيمَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ» ‏فلا يَغُرَّك يا عبد الله ما يتزينون به من الصلاح، ودعوى الجهاد والاستقامة، وإنكار المنكر ، وإقامة الحدود، فقد ذُكر لابن عباسٍ -رضي الله عنهما الخوارج-، واجتهادَهم، وصلاحَهم فقال –رضي الله عنه-: ليسوا بأشدَّ اجتهادًا من اليهود والنصارى وهم على ضلالة. ولا يحزن أهل من قتل له قتيلٌ من رجال الأمن على أيدي هؤلاء ، فقد أخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنهم خير الشهداء، وبشرهم بالجنة، فالتصدي لهؤلاء عباد الله بالسيف واللسان، والجهاد الحقيقي فمن قتلوه فهو شهيدٌ بإذن الله. عباد الله، إن من أسباب ضلال هؤلاء هو تركهم لزوم غرز العلماء والابتعاد عنه؛ لذلك تجدهم يطعنون في أهل العلم الموثوقين، واتخذوا رؤوسًا جُهَّالًا يفتونهم بغير علمٍ عبر المواقع والمنتديات المشبوهة وغير ذلك، فاحذروا يا عباد الله من هؤلاء، ومن شيوخهم، ودعاتهم وكتبهم، ومواقعهم، وحصِّنوا نفسك بلزوم العلماء، وتعلم العلم النافع الصحيح، وانتبهوا لأبنائك وصحبته فهؤلاء الخوارج خطرهم كبيرٌ، وهم يلبسون لباس المتدينين، ويتكلمون بألسنتهم، كفى الله الإسلام المسلمين شرهم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
  الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله، فإن الناظر في الآثار التي خلَّفتها مخالفةُ كتاب الله، وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومخالفةُ سبيل السلف الصالح في أمور الدين والسياسة، وفي أمور المعاملة بين الحاكم والمحكوم، وفي أمور الجهاد والفتن، وفي سيرهم على طرائق الغرب من المظاهرات والإعتصامات وغيرها ليجد آثارها السيئة كثيرةً جدًا على المسلمين جميعا، فكم من أطفالٍ يُتِّموا، وكم من نساءٍ رُمِّلت، وكم من بلادٍ هُجِّرَ أهلها، وكم من عفيفةٍ ذهب عرضها، وكم من غنيٍّ ذهبت دنياه، وكم من مسجدٍ هُدم، كلُّ ذلك بسببها وبسبب مخالفة الشرع، كم من بلدٍ بعد أن كانت عامرةً أصبح خرابًا بَلْقَعَا بعد أن جاءته هذه الثورات قُتل مئات الألوف، وهُدِّمت آلف البيوت ، وهُجِّر أهلها، قَلِّب طرفك في تلك المدن، وفي أهلها، وفي الملاجئ التي يعيشون فيها، ولأموال المتصدقين ينتظرون، ولا لباس، ولا بيوت، ولا طعام ثم إنك تجد من أفتاهم لما لم يجد الثَّمَرة التي يريد جلسوا في قصورهم وهم فيها جالسون، وبأموال المسلمين التي جمعوها للصدقات يتفاخرون، ويتزينون فيا لله ما أعظم مصيبة إن الناظر في الضحية الحقيقية لهذه الثورات إنما هو الشعب الضعيف المسكين، والأبرياءُ والأطفال، الذين لا حول لهم ولا قوة، انظروا في أحوالهم مع هذا الشتاء والبرد القارصِ والثلوج، وهم بلا مأوى، ولا حطبٍ، ولا نارٍ، ولا لباسٍ يصرفهم عن هذا العذاب الذي ذهب ضحيته مئات الموتى. فَقِفوا معهم عباد الله في مصيبتهم بدعائكم، ومالكم، ونفقاتكم، وساعدوهم خلال الجهات الموثوقة، واحذروا من الجهات والأشخاص الذين يتأكلون على جراح المسلمين، فتذهب أموال إلى الخلايا القاعدية وتُستغل في الفتن، وترجع على بلادك وأنت لا تشعر. اللهم أعن إخواننا في سوريا، اللهم أعن إخواننا في سوريا، اللهم أعن إخواننا في سوريا، اللهم اكسوا عاريهم، واشفي مريضهم، وآمنهم في أوطانهم، وارجع إليهم بلادهم آمنةً مطمئنةً يا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم آمنا في أوطاننا، واجعل ديارنا وديار المسلمين آمنةً مطمئنةً يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم على نبينا محمد.