أهمية حُسن الخلق
أهمية حُسن الخلق
  | 6373   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: أهمية حسن الخلق
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 3 ذو القعدة عام 1435هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده، و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،، عباد الله، لقد عَرَف الناسُ هذا الدين، وتعاليمهُ الشاملة، وكيف يدعو إلى الآداب السامية، والأخلاق الفاضلة، وقد جاء الحثُ على الأخلاقِ الحسنة في كتاب الله، وفي سُنةِ النبي –صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة، لذلك كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي يجبُ أن نقتضي به، وأن نعمل بعمله كما قال أنسٌ في الصحيح عن خُلُقِه: "وكان خلُقُهُ القرآن"، وكذلك قالت عائشةُ –رضي الله عنها- لما سُئِلت عن خُلُقِ النبي –صلى الله عليه وسلم-: "وقد كان أحسنَ الناسِ أخلاقًا". لذلك يقولُ أنسٌ –رضي الله تعالى عنه-: "خدمتُ رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم- عشَرَ سِنين فما قال لي يومًا قط: أُف، ولا قال لشيءٍ فعلتهُ فعلته: لِمَ فعلته؟، ولا لشيءٍ لم أَفعلهُ: ألا فعلتَ كذا؟" متفقٌ عليه. وهذا فيه كمالُ خُلُقِهِ-عليه الصلاة والسلام-، في تعامُلُه مع أصحابهِ وخدمه. وجاء في صحيح مسلم تفسيرُ البِرِ بأنه حُسنُ الخُلق كما في حديث النواس بن سمعان –رضي الله تعالى عنه-، وعن عبد الله بن عَمرو بن العاص –رضي الله عنهما- قال: "لم يكن رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم- فاحِشًا، ولا مُتَفحِشًا، وكان يقول: «إنَّ من خياركم أحسنكم أخلاقا»" متفق عليه. والخُلُقُ الحسن من أثقلِ الأشياءِ في ميزان العبد يوم القيامة، حين توزنُ الأعمال، كما في حديث أبي الدرداء –رضي الله تعالى عنه- أنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من شيءٍ أثقلُ في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حُسنِ الخُلُق، وإنَّ اللهَ يُبغِضُ الفاحش البَذِيء» رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح. والخُلُقُ الحسنُ عباد الله، من أكثر الأعمال الصالحة التي تكونُ سببًا لدخولِ الجنة، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: "سُئِل رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم- عن أكثرِ ما يُدخلُ الناس الجنة قال: «تقوى الله، وحُسنُ الخلُق»، وسُئِل عن أكثر ما يُدخِلُ الناس النار قال:«الفمُ والفَرْج»"، أي المعاصي التي تكونُ بالفم كالغيبةِ، والنميمة، وغير ذلك، والمعاصي التي تكون بالفَرْج. وبحسن الخلُق يكمُل إيمانُ المؤمن، يكمُل إيمان المؤمن، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسَنُهُم خُلُقا، وخِيارُكم خِيارُكم لنِسائهم» رواه الترمذي. والمؤمن قد لا يكونُ من أهل الصيامِ والقيامِ كثيرًا لكنهُ بُحسنِ خلُقه يلحقُ بمنازلهم ودرجاتهم، فعن عائشة –رضي الله عنها- قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إن المؤمن ليُدرِكَ بحُسنِ خلُقه درجةَ الصائم القائم» رواه أبو داود. بل وعد الله ببيتٍ في أعلى الجنة لمن حَسَّنَ أخلاقه، وتعامل مع الناس كما يُحبُ أن يُعاملوه به، فعن أبي أُمامة الباهلي –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أنا زعيمٌ -أي ضامنٌ- ببيتٍ في رَبَضِ الجنة لمن ترك المِراءَ وإن كان مُحِقًا، وببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسُنَ خلُقه» رواه أبو داود. وأهلُ الأخلاق الحسنة هم أقربُ الناس مجلِسًا من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة، ومن أحبهم إليه، فعن جابرٍ –رضي الله عنه- أنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ مِن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحاسنُكُم أخلاقًا، وإنَّ أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون، والمُتَشَدِقون، والمُتَفَيْهِقُون، قالوا: يا رسول الله قد علِمنا الثرثارون والمتشدقون فما المُتَفَيْهِقُون؟ قال: المتكبرون» رواه الترمذي. والثرثارُ هو كثيرُ الكلام تَكلُفًا، والمُتشدِق هو المُتطاول على الناسِ بكلامه، والمُتفيهق هو كما في الحديث المُتكبر المُترفع على الناس، وكل هذه الصفات تُخالف الخلُق الحَسن، فكان أصحابُها من أبغض الناس إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- وأبعدهم منه مجلسًا. والآياتُ عباد الله والأحاديثُ في الحثِّ على حُسن الخلُق، والتخلُق بالآداب الفاضلة الكثيرة نصوصٌ كثيرة، فأسأل الله أن يُحسِّن أخلاقنا، وأن يرفع درجاتنا. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن اتبعَ هُداهُ، أما بعد،،، عباد الله، بعد أن عرفنا أهمية الخلُق الحَسن، والأدب الفاضل، يحسُنُ بنا أن نذكر بعض الأمثلة على ذلك مما جاء في سُنةِ النبي –صلى الله عليه وسلم- فقد روى الترمذي عن عبد الله بن المُبارك –رحمه الله- في تفسير حُسنُ الخلق فقال: "هو طَلاقهُ الوجه، وبذلُ المعروف، وكفُ الأذى"، ومنها كذلك: إفشاءُ السلام، ففي الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: « تقرأُ السلام على من عرَفتَ، ومن لم تعرِف»، ومنها: حقوقُ المسلم، كما جاء في قوله –عليه الصلاة والسلام-: «حقُ المسلمِ على المسلم خمس: ردُ السلام، وعيادةُ المريض، وإتباعُ الجنائز، وإجابةُ الدعوة، وتشميتُ العاطس»، وقال البراء –رضي الله تعالى عنه-: "أمرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «بعيادةُ المريض، وإتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار المُقسِم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام»"، ومنها: ما قاله –صلى الله عليه وسلم-: «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَ لأخيه ما يُحبُ لنفسه، ويكرهُ له ما يكرهُ لنفسه»، ومنها: الحِلْمُ، والرِفقُ، والأناة، فعن ابن عباس: "قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-لأشجِّ عبد القيس: «إنَّ فيك خَصلَتَين يُحبهم الله: الحِلْمُ، والأناة»"، رواه مسلم، وعن عائشة –رضي الله عنها- أنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ الله رفيقٌ، يُحبُ الرِفق، ويعطي على الرِفقِ ما لا يُعطي على العُنف، وما لا يُعطي على ما سواه » رواه مسلم، وغير ذلك من الأخلاق الكثيرة الفاضلة التي وردت في سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- فأُوصِي نفسي وإخواني من طلبة العلم، والدُعاة، والناس عامة، بالأخلاق الحسنة، والتعامل الطيب مع الناس، وخفضِ الجَناحِ لهم، والرِفق بهم، فمن هُنا تُأتِي الدعوةُ بثمارها، ويستجيبُ لك الناس، والشدةُ محمودةٌ أحيانًا لكن في موضعها، يقول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران:159]، وقال –عزَّ و جلَّ-: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء:215].  اللهم إنا نسألُك الأخلاق الحسنة، ونعوذُ بك من سيء الأخلاق، ونعوذ بك يا ربنا من سيء الأخلاق، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.