أحكام مختصرة للصيام
أحكام مختصرة للصيام
  | ,, 3578   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: أحكام مختصرة للصيام.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة ألقاها 20 شعبان عام 1437هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء .

 
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،، عباد الله فإن قلوب المسلمين فرحةٌ مستبشرةٌ بمقدم شهرٍ رمضان. نسأل الله تعالى أن يبلغناه، وأن يرزقنا صيامه وقيامه على الوجه الذي يُرضيه سبحانه، وحُق لنا أن نفرح به، ونستبشر فقد أعد الله فيه من الخير والفضل ما ليس في شهرٍ غيره هو شهر الصيام الذي يمثل الركن الرابع من أركان الإسلام كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما-: «فمن صامه إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه». هو شهر القيام شرع الله قيامه فمن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه. فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر هي ليلة القدر التي أُنزل الله –عز وجل- فيها القرآن من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه هو شهر القرآن فيه أُنزل، وفيه يُشرع للمسلم أن يجتهد في قراءته، وتلاوته، وتدبره ما لا يجتهد في غيره. فقد كان جبريل -عليه السلام- ينزل على محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فيُعارضه القرآن الكريم، هو شهر البِر، والجود، والبذل، والعطاء. فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «رمضانٌ شهرٌ مبارك تُفتّح أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب السعير، وتُصفد فيه الشياطين، ويُنادي منادٍ كل ليلة يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر». إن شهرًا بهذه المثابة، وموسمًا بهذا القدر حريٌ بأن نستعد له أحسن استعداد، وإن خير ما يستقبل به شهر رمضان التفقه في الأحكام المتعلقة به حتى يؤدي المسلم هذا الركن العظيم على الصفة الشرعية المطابقة لكتاب الله، ولسنة النبي –صلى الله عليه وسلم-، فإن العبادات مبناها على التوقيف أي؛ على نصوص الكتاب والسنة. قال -صلى الله عليه وسلم-: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». إن الأحكام المتعلقة بالصوم كثيرة؛ ومنها على سبيل الإيجاز المسائل التالية: الأولى: أن الله تعالى فرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة، قال - عز وجل -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة:183] ففرضه علينا، وأخبر أنه قد فرضه على من قبلنا تنبيهًا على شرف الصيام وجلالته وتسليةً لأهل الإيمان، بأن من قبلهم صاموا فتخف وطأة الجوع والعطش بسبب ذلك، ثم بين العلة التي لأجلها شُرع الصيام، وهي تحقيق تقوى الله - عز وجل - بفعل أوامره، واجتناب نواهيه على أن القصد منه ليس مجرد الاقتصار على صورة ترك الطعام ودون اجتناب المعاصي، وفعل الطاعات. والثانية: يجب صوم رمضان على كل مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ قادرٍ رجلًا كان أو امرأة، فالكافر لا يقبل منه الصيام، حتى يسلم، والمجنون مرفوع عنه قلم التكليف، حتى يفيق، والصغير الذي لم يبلغ، لا يجب عليه صيامٌ، لكن إذا صار قادرًا عليه فيؤمر به تمرينًا عليه وتعويدا كما كان السلف الصالح يفعلون. والثالثة: لا يثبت دخول شهر رمضان شرعًا إلا بأحد أمرين لا ثالث لهما: رؤية هلاله بعد غروب الشمس من اليوم التاسع والعشرين من شعبان فإن لم يُرى فبإتمام شعبان ثلاثين؛ للأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع، وتكفي شهادة مسلمٍ واحدٍ عدلٍ في إثبات دخول شهر رمضان، وأما الحساب الفلكي أو الرؤية بالمرصد والمكبرات، فلا يلتفت إليها، لأن ديننا دين يسرٍ، وسماحة، ولا تعنت فيه، وقد أرشدنا النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى الرؤية فإن عدمت، صرنا إلى إكمال شعبان ثلاثين. والرابعة: لا يجوز للمسلم أن يتقدم رمضان بصوم يومٍ ولا يومين كما ثبت بذلك الحديث، لكن يجوز له أن يصوم قضاءً، بل يجب عليه إذا لم يتبقى من شعبان إلا بقدر أيام القضاء، ويجوز له أن يصوم صومه المعتاد كمن اعتاد أن يصوم الاثنين ووافق الاثنين آخر شعبان، فلا حرج عليه أن يصوم. والخامسة من الأحكام: يجب على المسلم أن يبيت الصوم الواجب قبل طلوع الفجر، وإذا دخل رمضان وحدث المسلم نفسه عازمًا أنه يصوم الشهر كله فهذا يكفي إن شاء الله، وإن جدد نية الصوم كل ليلةٍ فهو أحسن، وتسحره دليلٌ على أنه ناوٍ للصيام. والسادسة من المسائل: من رحمة الله تعالى أن جعل للمسلم أعذارًا تبيح له الفطر وهي الأعذار التالي: - أما الأول: فهو المرض الذي يشق معه الصوم أما المرض اليسير فليس بعذرٍ. -والثاني: السفر بأي وسيلةٍ كانت إذا كان السفر مسافة قصرٍ ولم يقصد به التحايل على الصيام. - والثالث و الرابع: الحيض والنفاس للمرأة. - والخامس والسادس: الحمل والرضاع، فإن خافت الحامل والمرضع على نفسيهما، أو خافت الحامل على جنينها، أو خافت المرضع على رضيعها، أفطرتا ثم قضتا، على خلافٍ بين أهل العلم. - والعذر السابع: الكبر الذي يشق معه الصوم مشقةً بالغة. - والثامن: أن يحتاج إلى إنقاذ نفس معصومة من غرق أو حريق أو حادث سير ولا يتمكن من إنقاذه إلا إذا أفطر. و المسألة السابعة: يفسد الصيام بحصول أحد المفسدات والمفطرات التالية: -الأول: الجماع وهو أعظمها كفارة. -والثاني: إخراج المني عمدًا، بمباشرةٍ أو استمناءٍ، أما لو خرج في النوم احتلامًا فصومه صحيح. - والثالث: الأكل و الشرب عمدا، فإن أكل أو شرب ناسيًا فليس عليه شيء. - والرابع: استعمال الإبر المغذية، والأدوية المأكولة، أو المشروبة. - والخامس: الحجامة، ومثلها التبرع بالدم، أما خروج الدم من جرحٍ بغير إرادته، أو رعافٍ من أنفه، أو إخراج الدم اليسير للتحليل، أو خروج الدم من خلع ضرسٍ أو جرحٍ يسير، فهذا كله لا يفطر. - والسادس: تعمد إخراج القيء، أما إن رجع بغير إرادته فلا شيء عليه. - و السابع والثامن: الحيض والنفاس، فإذا حاضت المرأة أو نفست بطل صومها، ولو رأت الدم قبل الغروب بلحظة.   والمسألة الثامنة: من أحكام القضاء من أفطر بسبب سفرٍ أو مرضٍ أو حيضٍ ونفاسٍ فليس عليه إلا القضاء. و من أفطر بسبب عذرٍ دائمٍ لا يزول كالكبير أو المريض مرضًا لا يُرجى شفاءه منه، يطعم عن كل يومٍ مسكينًا، لكل مسكينٍ نصف صاع، وإن جمع المساكين وأطعمهم حتى أشبعهم بعدد أيامه التي أفطرها أجزأه ذلك. و من أفطر بسبب الجماع فعليه التوبة والقضاء، والكفارة المغلظة، وهي: عتق رقبة. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. وإذا أفطرت الحامل والمرضع، فعليهما القضاء، ومن أفطر متعمدًا بلا عذرٍ، فعليه مع القضاء التوبة إلى الله - عز وجل-، لأن هذا من كبائر الذنوب. ومن كان عليه شيءٌ من رمضان الفائت، ولم يقضه فليبادر إلى القضاء قبل دخول رمضان عليه فإن لم يفعل لغير عذرٍ أثِم، وذكروا بذلك نسائكم فتكثر الغفلة عند النساء في هذا الباب.   بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصبحه ومن اتبع هداه أما بعد: عباد الله، هناك مسائل يكثر عنها سؤال الناس في رمضان، منها: حكم الأكل و الشرب عند سماع الآذان، و الجواب: أن الله -عز وجل- أمرنا بالإمساك عن المفطرات إذا طلع الفجر، فإذا كان المؤذن يؤذن عند طلوع الفجر، وهذا هو الغالب فلا يجوز الأكل والشرب، ومن أكل متعمدًا يعتبر مفطرًا، وإن كنا لا ندري هل يؤذن في الوقت أو غيره أو قبله فيقال: الأحوط أن تمسك عند سماعك الأذان، فلا تأكل ولا تشرب. ومن المسائل: استعمال بخاخ ضيق التنفس. و الجواب: أنه إذا كانت كبسولاتٍ تُطحن، وتنفث في الفم، فهي مفطرة، وإن كانت بخارًا أو غازًا يتبخر في الفم، فلا حرج في استعمالها، واستعماله في الليل أولى وأفضل وبه الخروج من الخلاف. ومن المسائل: استعمال الإبر؛ هل تفطر أم لا؟ ويقال: إذا كانت إبرًا مغذية، فهي: مفطرة، وإن لم تكن مغذية؟ - كالإبرة التي تكون في العضل – مثل: المضادات أو الأنسولين للسكر فليست مفطرة، وكذلك الحكل، وقطرة العين، وقطرة الأذن، فإنها لا تفطر. ومن المسائل: إذا جامع قبل الفجر، وطلع عليه الفجر قبل أن يغتسل فهل صومه صحيح؟ و الجواب: نعم صومه صحيحٌ، فقد كان يحصل ذلك من النبي –صلى الله عليه وسلم-. و من المسائل: إذا أكل قبل المغرب يظن الشمس قد غابت أو اشتبه عليه صوتٌ فظنه صوت المؤذن المغرب، فالصحيح أن صومه صحيح وليس عليه قضاء. ومما ينبغي التنبيه عليه إخواني في الله، أن الزكاة لا يجوز وضعها في إفطار الصائم، وكذلك كفارة الصيام لمن لا يستطيع أن يصوم؛ لأن الإفطار يأكل منه الغني والفقير، والزكاة والإطعام، والكفارة لا يكون إلا للفقراء والمساكين. اللهم فقهنا في دينك، اللهم ارزقنا بلوغ شهر رمضان، وأعنا على صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا يا رب العالمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والمشركين يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.