آداب النوم
آداب النوم
  | , 4551   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: آداب النوم .
  • ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 19 صفر 1433.

خطبة بعنوان ( آداب النوم )

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أما بعد: عباد الله فإن الشريعة الإسلامية لكمالها وشمولها وانتظامها مصالح العباد، فإنها كما جاءت بما يصلح الناس في حال يقظتهم جاءت أيضًا بأفضل الأحكام وأحسن الآداب التي يصلح بها منامهم، فجاءت السنة النبوية حاثة على كثير من الآداب التي ينبغي للمسلم أن يعتني بها قبيل نومه، وبعد استيقاظه حتى ينال الأجر ويفوز بما يترتب عليها من خير عاجل أو آجل، ومن تلك الآداب أن ينوي الاستعانة بنومه على مرضاة ربه وطاعته بعد أن يستيقظ، فإن الوسائل لها أحكام الغايات، والمباحات إذا اقترنت بها النية الصالحة صارت عملًا صالحًا يثاب عليه العبد، كما في الصحيحين أن معاذ –رضي الله عنه- قال: «أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي» وعكسه من نام وهو ينوي بنومه الاستعانة على عمل محرم، فنومه نوم إثم لسوء قصده وخبث نيته «والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» أما من نام بلا استحضار نية صالحة، ولا نية سيئة فنومه نوم مباح لا له ولا عليه. - ومن آداب النوم أن يتوضأ قبله وضوءه للصلاة لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة» ولقوله –صلى الله عليه وسلم-: «من بات طاهرًا بات وفي شِعَارهِ ملك؛ أي بين جسده وملابسه فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر له فإنه بات طاهرًا». - ومن آدابه أن يخمر الآنية، أن يغطي الآنية التي فيها شراب أو طعام، وأن يطفئ النار سواء نار تنور أو جمر، أو نار غاز، أو غيرها، وأن يغلق باب بيته، وباب غرفته، يقوم بهذه الأعمال قبل نومه لما ورد في هذا من الأحاديث تطبيقًا للسنة وطلبًا للسلامة. عن جابر –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا، وغطوا قرابكم» أي غطوها «واذكروا اسم الله وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليه شيءً، وأطفئوا مصابيحكم» متفق عليه. - كما يشرع له قبل أن يضطجع على فراشه أن ينفضه تطبيقًا للسنة، فإن الفراش قد يكون فيه شيء من المؤذيات ولاسيما إذا كان الفراش في مزرعة أو استراحة أو صحراء فإذا أخذ مضجعه فيسن أن يضطجع على شقه الأيمن، وأن يذكر الله بما تيسر من الذكر الوارد المأثور، فمنها قراءة آية الكرسي، ومنها قراءة سورة السجدة، ومنها ما جاء في حديث البراء: «اللهم إني وجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك .. إلى آخر الدعاء» فإذا استيقظ بعد ما أخذ حظه من النوم فيدعو بما ورد، ومنه «الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور». - وإن كان استيقاظه بسبب فزع وخوف فيقول ما ورد في حديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إذا فزع أحدكم من النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون، فإنها لن تضره» - وإن تعارَّ من الليل، والتعارُّ أن يستيقظ مع كلام وصوت فيسن أن يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله» ثم يقول: «اللهم اغفر لي» فهذا إن دعا استجيب له، وإن صلى قبلت صلاته كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-. - ثم إذا كان قد رأى في منامه رؤيا تسره فليحمد الله وليبشر بها من يحب، والرؤية الحسنة يتفاءل بها صاحبها، ويسر بها لكنها لا تضره، فالعبرة بالثبات على الحق، وكم من شخص رؤيت له منامات صالحة، أو رآها بنفسه، ثم نكث على رأسه فارتد أو ابتدع أو فسث. - وإن رأى ما يسوءه فليستعذ بالله منها ويغير الجنب الذي كان نائمًا عليه، فعن جابر عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا رأى أحدكم الرؤية يكرهها، فليبصق عن يساره ثلاثة، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثة، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» رواه مسلم، وكذلك لا يخبر بهذه الرؤية أحدًا، ولا يتطلب لها تأويلًا، فإنها لا تضره بإذن الله، وقد حصل عند كثير من الناس ولاسيما النساء في هذا الزمان مبالغة كبيرة في تتبع مفسروا الرؤى والمنامات ففتحوا على أنفسهم أبوابًا من الشرور والفتن والعياذ بالله. - ومن الآداب كذلك اجتناب النوم في الأماكن الخطيرة، كالنوم على سطح ليس له حاجز يقيه من السقوط فيما لو تقلب في نومه، وكذا نوم الطفل على وجه الخصوص على سرير عالٍ بدون وضع وقايات تمنعه من السقوط، ومنها النوم في بطون الأودية والطرقات فيعرض نفسه للهلاك بسيل، أو دابة، أو سيارة، وقد جاء النهي عن هذا النوم. - ومنها أنه إذا جامع أهله فأراد أن ينام فالسنة المؤكدة في حقه إذا أراد تأخير الاغتسال أن يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة ثم ينام بعد ذلك، ويكره أن ينام على غير وضوء. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد: - عباد الله ومن الآداب كذلك مشروعية التبكير بالنوم بعد العشاء وترك السهر فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يكره السهر بعد العشاء إلا لمصلحة حتى لا ينام عن صلاة الفجر، ومنها كراهية النوم قبل العشاء؛ لأنه يؤدي إلى تفويت صلاة العشاء، وقل مثل ذلك في النوم إلى العصر إذا كان يعلم من نفسه أنه لن يقوم لصلاة العصر مع الجماعة. - ومن أحكامه كذلك وجوب التفريق بين الأولاد في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين؛ لأن نومهم على فراش واحد في تلك السن مظنة للفساد وحدوث ما لا تحمد عقباه. - ومنها مشروعية الاستنفار ثلاثة إذا استيقظ من نومه، فإن الشيطان يبيت على خيشومه. - ومنها أن الشيطان يعقد ثلاث عقد على قافية العبد، فإذا هو نائم حتى يثبطه عن الصلاة، فإذا أوقظ للصلاة وجد ثقلًا شديدًا، فإذا ذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عقدة، وإذا صلى انحلت عقدة، فلا يقولن لنفسه لن أستطيع القيام إلى الصلاة بسبب غلبة النوم، بل متى ما استعان بالله وذكر الله أعانه الله على شيطانه. - ومنها مشروعية استعمال السواك عند القيام من النوم لفعله –صلى الله عليه وسلم-، يقول ابن عمر –رضي الله عنهما-: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- لا ينام إلا والسواك عند رأسه فإذا استيقظ بدأ بالسواك. عباد الله هذه بعض أحكام النوم وآدابه، فما أحسن هذه الشريعة، وما أكملها وما أتمها، وما أعظم تقصيرنا في تعلمها والعمل بها، إن المقصود من التذكير بهذه الأحكام هو أن نتفقه في ديننا، وأن نعمل بها قدر الاستطاعة، وأن نربي أبناءنا وأهلينا على هذه الأحكام حتى تكون خيرًا لنا ولهم في الدنيا والآخرة. اللهم فقهنا في ديننا، وارزقنا العمل به على الوجه الذي يرضيك عنا، ربنا علمنا ما ينفعنا، واجعل ما علمتنا حجة لنا لا علينا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.