آداب الصيام الواجبة والمستحبة
آداب الصيام الواجبة والمستحبة
  | , 4846   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: آداب الصيام الواجبة والمستحبة.
  • ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 12 رمضان 1437هـ ونقلت مباشرا على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،، عباد الله، اعلموا أن للصيام آدابًا كثيرة لا يتم إلا بها، ولا يكون إلا بالقيام بها، وهي على قسمين: آدابٌ واجبةٌ لا بُدَّ للصائم من مُراعاتِها والمحافظة عليها، وآدابٍ مستحبة ينبغي مراعاتها والمحافظة عليها. فمنَ الآداب الواجبة: أنْ يقومَ الصائمُ بما أوجبَ الله –عز وجل- عليه من العباداتِ القوْليَّةِ والفعليَّةِ، ومن أهمِّها: الصلاةُ المفروضةُ التي هي آكدُ أركانِ الإِسلامِ بعد الشهادَتَين، فتجبُ مراعاتُها بالمحافظةِ عليها، والقيامِ بأرْكانِها، وواجباتِها، وشروطِها، فيؤديها في وقْتِها مع الجماعةِ في المساجِدِ، فإنَّ ذَلِكَ من التَّقْوى التي مِنْ أجْلها شُرعَ الله –عز وجل- الصيام، وفرِضَه على الأمة، وإضاعةُ الصلاة مُنافٍ للتَّقْوى، وموجبٌ للعقوبةِ. يقول –عز وجل-:﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾[مريم:59] ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾[مريم:60]. ومِنَ الصائمين مَنْ يتهاونُ بصلاة الجماعةِ مع وُجوبها عليه، فعن أبي هريرةَ -رضي الله عنه-: "أنَّ رجُلاً أعْمَى قال: يا رسولَ الله ليس لي قائدٌ يقودنُي إلى المسجدِ، فرخَّصَ له. فلمَّا ولَّى دعاه وقال: «هلْ تسمعُ النِّداء بالصلاةِ؟ قال: نَعَمْ، قال: فأَجِبْ»، رواه مسلم، وبترك الجماعة يُعرض العبد نفسه للعقوبة، ومشابهة المنافقين، ففي الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجالٍ معهم بحزمٍ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار». ومن الآداب الواجبة: أن يجتِنبَ الصائمُ جميعَ ما حَرَّمَ الله ورسولُه مِنَ الأقوال والأفَعالِ، فيجتنب الكذب قال –صلى الله عليه وسلم-: «إيَّاكُم والكذبَ فإنَّ الكَذبَ يَهْدِيْ إلى الفُجُورِ وإنَّ الفجورَ يهدِي إلى النار ولا يزالُ الرجلُ يكذِب ويتحرَّى الكذبَ حتى يُكتَب عند الله كَذَّاباً» متفقٌ عليه. ويجتنبُ الغِيْبَةَ، وهي ذكْركَ أخَاك بما يَكْرهُ في غَيْبتِهِ، سواءٌ ذكرتَه بما يَكرَه في خِلْقَتهِ، أو بما يَكرهُ في خُلُقِه، وسواءٌ كان فيه ما تقُولُ أو لم يكُنْ فيه، لأن النبي -صلى الله عليه وسلّم- سُئل عن الغِيْبةِ فقال: «هي ذكْرُك أخاك بما يكْره، قيل: أفَرأيتَ إنْ كان في أخِي ما أقول؟ قال: إنْ كان فيه ما تقولُ فقد اغتبتَه وإنْ لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّهُ»، رواه مسلم. ويجتنبُ النَّمِيْمَةَ وهي: نقْلُ كلامِ شخصٍ إلى شخصٍ آخر ليُفْسدَ بَينهما، وهي من كبائِر الذنوبِ. قال فيها -صلى الله عليه وسلّم-: «لا يدخلُ الجَنَّةَ نَمَّام»، متفقٌ عليه. والنميمة فسادٌ للفرد والمجتمع، وتفريقٌ بين المسلمين، وإلقاءٌ للعداوة بينهم ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾[القلم:10] ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾[القلم:11] فمن نمّ إليك نمّ فيك فهدر، ويجتنبُ الْغِشَّ في جميع معاملاتِه من بيعٍ، وإجارةٍ، وصناعةٍ، ورهنٍ، وغيرها، وفي جميع المناصحاتِ والمشوراتِ فإنَّ الغشَّ من كبائِر الذنوبِ، وقد تبرأ النبيُّ -صلى الله عليه وسلّم- من فاعِلِه فقال -صلى الله عليه وسلّم-: «من غَشَّنَا فليس مِنَّا». وفي لفظٍ: «من غش فليس مِني»، رواه مسلم.                                                    ويجتنبُ المَعازِفَ وهي: آلاتُ اللَّهْوِ بجميعِ أنواعِها، وتزدادُ تحريمًا وإثمًا إذا اقترنت بالْغنَاءِ بأصواتٍ جميلةٍ وأغانٍ مثيرة يقول المولى –سبحانه وتعالى-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾[لقمان:6]. وقد صَحَّ عن ابن مسعودٍ –رضي الله تعالى عنه- أنَّه سُئِلَ عن هذِه الآية فقال: "والله الذي لا إِلهَ غيرُه إن لهو الحديث هو الغناء، وصح أيضًا ذلك عن ابن عباسٍ وابن عمرَ وذكره ابن كثير عن جابر وعكرمةَ وسعيدِ بن جُبيْرٍ ومجاهِدٍ وقال الْحَسنُ: نزلتْ هذه الآية في الغناءِ والمزامير، وقد حذَّر النبيُّ -صلى الله عليه وسلّم- من المَعازفِ وقَرَنَها بالزِّنَا لشدة حرمتها فقال -صلى الله عليه وسلّم-: «ليكونَنَّ من أمَّتي أقْوَامٌ يستحِلُّونَ الحِرَ –أي؛ الفرج أي الزنا- والحريرَ والخمْر والمعازفَ»، رواه البخاري. فيستحلونه أي؛ يفعلَونَه فعْلَ المستحِلِّ لها بدونِ مبالاةٍ، وقد وقع هذا في زماننا فكان من الناس من يستعمل هذه المعازف أو يستمعها كأنها شيءٌ حلالٌ، وهذا مما نجح فيه أعداء الإسلام بكيدهم للمسلمين حتى صدوهم عن ذكر الله، ومهام دينهم ودنياهم، وأصبح كثيرٌ منهم يستمعون إلى ذلك أكثر مما يستمعون إلى قراءة القرآن، والأحاديث، وكلام أهل العلم المتضمن لأحكام الشريعة وحكمها بل أصبح هذا الشهر الكريم مرصدًا وموعدًا لأهل الفجور في نشر فجورهم فتراهم من شهورٍ وهم يُعلنون عن مسلسلات الفواحش، والتمثيليات الفاجرة التي تشتمل على حرب الفضيلة والدين؛ لينشروها في رمضان، فهؤلاء أهل كيدٍ، ومكرٍ ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾[الصف:8]، وللأسف انقاد لهم كثيرٌ من المسلمين، فتراهم في هذا الشهر لا يُفارقون التلفاز، ويقضون أوقاتهم كلها أمامه يقلبون قنوات الرذيلة والمسلسلات المسمومة أو إضاعة مواسم الطاعات بمتابعة كثيرٍ المباريات فتفوته كثيرٌ من الحسنات، والأعمال الفاضلات، فاحذروا أيها المسلمون نواقض الصوم ونواقصه وصونوه عن قول الزور والعمل به قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» . قال جابر -رضي الله تعالى عنه-:" إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم و دع عنك أذى الجار وليكن عليك وقارٌ وسكينة ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء" . أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن أتبع هداه أما بعد, عباد الله أما آداب الصوم المستحبة فهي كثيرةٌ ومنها: السحور فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- به فقال: «تسحروا فإن بالسحور بركة». متفقٌ عليه. وفي صحيح مسلمٍ عن عمر بن العاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلت السحر». وأثنى -صلى الله عليه وسلم- على سحور التمر فقال: «نعم سحور المؤمن التمر». رواه أبو داود. والسنة تأخير السحور وتعجيل الفطور، والسنة أن يفطر على رطبٍ فإن عُدم فتمر فإن عُدم فماء لقول أنس -رضي الله تعالى عنه-: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم يكن رطبات فتمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء. رواه أحمد وأبو داود والترمذي. ومن آداب الصيام المستحبة: كثرة القراءة والذكر والدعاء والصلاة والصدقة ففي الصحيحين من حديث بن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن»، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان جوده -صلى الله عليه وسلم- يجمع أنواع الجود كلها من بذل العلم والنفس والمال لله -عز وجل- في إظهار دينه، وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريقٍ من تعليم جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وإطعام جائعهم، وكان جوده يتضاعف في رمضان لشرف وقته،ـ ومضاعفة أجره، وإعانة العابدين فيه على عبادتهم والجمع بين الصيام و إطعام الطعام وهما من أسباب دخول الجنة. ومن آداب الصيام المستحبة: أن يستحضر الصائم قدر نعمة الله –عز وجل- عليه بالصيام حيث وفقه له ويسره عليه حتى أتم يومه، وأكمل شهره فإن كثير من الناس حُرموا الصيام إما بموتهم قبل بلوغه، أو بعجزهم عنه أو بضلالهم وإعراضهم عن القيام به فليحمد الصائم ربه على نعمة الصيام التي هي سببٌ لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات في دار النعيم بجوار الرب الرحيم الكريم. عباد الله تأدبوا بآداب الصيام، وتخلوا عن أسباب الغضب والانتقام، وتحلوا بأوصاف السلف الكرام فإنه لن يصلح أخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها من الطاعة واجتناب الآثام. اللهم تقبل صيامنا، اللهم تقبل صيامنا، اللهم تقبل قيامنا، اللهم اجعلنا من المغفورين لهم في هذا الشهر يا رب العالمين ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم أغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.