خطبة عيد الفطر عام 1436هـ
خطبة عيد الفطر عام 1436هـ
  | 6918   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: خطبة عيد الفطر عام 1436هـ
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: ألقاها في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

  إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعملنا، من يهده الله فلا مضل له،  ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:- فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار أما بعد:- عباد الله، إن لكل أمة من الأمم عيدا يعود عليهم في يوم معلوم يتضمن عقيدتها وأخلاقها وأسلوب حياتها، وأما عيد الفطر، وعيد الأضحى فقد شرعهم الله تعالى لأمة الإسلام؛ ليبين فيهما معالم الإسلام. قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، قال: ‹‹ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: فقد أبدلكم الله خيرا منهما يوم الأضحى، ويوم الفطر›› فعيد الفطر هو فرحة للمسلمين على فطرهم، وختام خير لشهر به يفرحون، ولإكمال صيام شهرهم يؤجرون، ففي يومه إلى الصلاة، وزكاة الفطر والتكبير والتهليل ثم صلاة العيد، وهكذا تستمر رحى العبادة لا يحول بينك وبينها إلا الموت، فأبواب الخيرات كثيرةٌ ميسرة، وطرق البر ممهدةٌ واسعة فليستكثر المسلم من أنواع الطاعات لحياته الأبدية بقدر ما يوفقه الله تعالى ، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. عباد الله، إن العيد من شعائر الإسلام العظيمة الظاهرة، والعيد يتضمن معاني ومقاصد عظيمة فضيلة: أولى معانيه: توحيد الله -سبحانه وتعالى- بإفراد الله عز وجل بالعبادة، كالدعاء والخوف والرجاء والاستعاذة، والاستعانة، والتوكل والرغبة والرهبة، والذبح والحلف، وغير ذلك من أنواع العبادات، وهذا التوحيد هو أصل الدين كله، وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله، فالتوحيد هو الأمر العظيم الذي بتحقيقه يدخل الإنسانُ جناتٍ النعيم، وإذا ضيعه الإنسان لا ينفعه عمل، وخُلد في النار أبدا فتمسك عبد الله بهذا الأصل العظيم فهو حق الله عليك، وعهد الله الذي أخذه على بني آدم، وقد أكد الله -عز وجل- هذا الحق العظيم في القرآن، وأمر بحق الله -سبحانه وتعالى- فمن وفى بوعده ففضل الله -سبحانه وتعالى- عليه واسع، عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ‹‹حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يُعذب من من لا يشرك به شيئًا›› فالتوحيد أول الأمر وأخره، واحذر من نواقض التوحيد ومنغصاته، فلا تذبح إلا لله، ولا تسجد إلا لله، ولا تحلف إلا بالله، وتجتنب الشرك بجميع صوره، ومظاهره كالسحر ومظاهره، ونحذر من التطير والتشاؤم، والتمائم والذهاب للعرافين والكهان والسحرة، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وثاني معاني التوحيد: تحقيق معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، التي ننطق بها في صلاتنا إن معنى هذه الشهادة طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أمره، واجتناب نهيه، وتصديق أخباره، وعبادة الله بما شرع مع محبته وتوقيره. ومن توقير الرسول -صلى الله عليه وسلم- وطاعته: توقير أصحابه وأهل بيته، وزوجاته أمهات المؤمنين فلا نذكرهم إلا بالجميل، ومن طعن فيهم فهو على غير السبيل. واحذروا كل من ينشر الطعن في أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- من القنوات وغيرها، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. عبد الله، اعلموا أن الله -عز وجل- لا يقبل منكم عملًا إلا ما كان خالصًا لله -عز وجل- متابعا فيه للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فالبدعة مردودة على صاحبها، والشرك مخرجٌ صاحبه من الملة، واحذروا البدع والمحدثات وجانبوا أهل الأهواء والخرافات فقد كثرت في هذه الأزمان الفرق الضالة، والمناهج المنحرفة، والأحزاب السياسية فتمسكوا بسنة نبيكم، واتبعوا سبيل سلفكم الصالح تكونوا من الناجين ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153]، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. عباد الله، وإن من حكم العيد ومنافعه العظمى، التواصل بين المسلمين، والتقارب والتزاور وارتفاع الوحشة، وانطفاء نار الأحقاد والضغائن والحسد، فمن صفات المؤمنين كما قال -عليه الصلاة والسلام-: ‹‹مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى›› اجتهدوا بتفقد إخوانكم المحتاجين، والمتضررين في بلادكم، وبلاد المسلمين، وكونوا معهم بالدعم المادي والمعنوي، ومع الاجتهاد لهم في الدعاء، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. عباد الله، الصلاة، الصلاة حافظوا عليها حيث ينادى بها، هي عماد الدين، وناهية عن الفحشاء والآثام، فمن ضيعها فهو لما سواها أضيع، فإنها أول ما يسئل عنه العبد يوم القيامة. أدوا زكاة أموالكم عن رضى نفسٍ تطهر بها نفوسكم، وتحفظ بها أموالكم، وتحسن بها إلى الفقراء فقد تفضل الله عليكم بالكثير، ورضي منكم بنفقة اليسير. عليكم بالاجتهاد في الصيام، وحج بيت الله الحرام، فالحج قريب فمن لم يحج فليعد العدة وليبذل أسباب إسقاط الفرض عنه، فإنها من أعظم أركان الإسلام. عليكم ببر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الأيتام وذلك عمل يعجل الله ثوابه في الدنيا مع ما يدخر الله لصاحبه من الأجر في الأخرة مع حسن الثواب. ارعوا معاشر المسلمين حقوق الجار في الحديث ‹‹لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه›› أي شره، ومروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر بضوابطه الشرعية فإنهما حارسان للمجتمع، وسياجان للإسلام، وأمان من العقوبات. إياكم وقتل النفس المحرمة، وفعل الفحشاء فقد قرن الله -عز وجل- ذلك في كتابه بالشرك بالله -سبحانه وتعالى-. إياكم والربا فإنه محقٌ للكسب، وغضب للرب، إياكم والرشوة، وشهادة الزور، فإنها مضيعة للحقوق، مؤيدة للباطل، من فعلها فقد تحقق عليه لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم. إياكم والخمر، وأنواع المسكرات والدخان، والمخدرات، فإنه تغضب الرب، وتفسد القلب، وتغتال العقل، وتدمر البدن، وتمسخ الخلق الفاضل، وتفتك بالمجتمع كل مسكر حرام، وإن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: ‹‹ عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار›› عفانا الله وإياكم. احذروا عباد الله جميع المعاصي، والسيئات، وتوبوا إلى ربكم توبةً نصوحا الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. عباد الله، احذروا فرق التكفير والضلال الذين سلطوا أفكارهم الضالة على شباب المسلمين، فضيعوهم وألقوهم في بلاد الفتن التي لا يعرف القاتل فيما قَتل، والا المقتول فيما قُتل فأخرجوهم عن أهل السنة وأئمتهم، إلى أحضان جماعات التكفير والخوارج، فقتلوا أهل الإسلام، وكفروهم، وقتلوا الأبرياء، وقتلوا أنفسهم وغدروا بالأمنين، وخرجوا من البيعة والجماعة، والسمع والطاعة، فضلوا وانحرفوا وهم الخوارج الذين حذرنا منهم -صلى الله عليه وسلم-، فيجب الحذر منهم، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. يا نساء المسلمين، اتقين الله تعالى في واجباتكن، أحسن إلى أولادكن بالتربية الإسلامية النافعة، واجتهدن في إعداد الأولاد إعدادًا سليمًا ناجحًا، فإن المرأة أشد تأثيرا على أولادها من الأبن وليكن هو معينا لها على التربية، وأحسن إلى الأزواج بالعشرة الطيبة، وبحفظ الزوج في عرضه وماله وبيته، ورعاية حقوق أقاربه وضيفه وجيرانه، ولا تقدمن على رأيه وأمره رأى غيره من أخ أو قريب فإن في ذلك إفسادُ ذات البين، قال -عليه الصلاة والسلام-: ‹‹إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها دخلت الجنة من أي أبوابها تشاء›› عليكِ أيتها المسلمة أن تشكرِ نعمة الله عليكِ حيث حفظ لك الإسلام حقوقك كاملة، ولا تنخدعي بالدعايات الوافدة فإن مكانتك في الإسلام أفضل مكانة، واحذري أيتها المسلمة من دعاة الرذيلة، وأهل الفجور والسفور الذين ينشرون لباس الفسق والحرام، كعبايات الكتف، أو الضيقة، أو النقاب الكاشف، أو التشبه بالكافرات مما ينافي حياء المرأة ودينها الإسلامي، ولا تُكثرن من الخروج من بيوتكن قال -عز وجل-: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]، ولا تلن بالصوت فيطمع الذي في قلبه مرض. كما للرجال أن يتقوا الله -عز وجل- في النساء فإنهن أسيرات عندكم فارفقوا بهن، وأحسنوا عشرتهن، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. عباد الله، اجتمع لنا بفضل الله في هذا اليوم عيدان، عيد الفطر، وعيد الأسبوع الجمعة وإذا اجتمعا فإن من شهد هذه الصلاة صلاة العيد فأنه يُرخص له في عدم حضور الجمعة، لكن لابد أن يُصليها ظهرًا في جماعة، ومن رغب أن يشهد الجمعة مع المسلمين في المساجد الجامعة فهذا لا شك أنه أفضل. عباد الله، إنه وإن انقضى صوم رمضان، فإن الصوم لم ينقضي بل يسن لنا بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال غير هذا اليوم، فإن هذا اليوم لا يجوز صيامه، فبادروا أولًا إلى قضاء ما عليكم من الصيام، ثم أكملوا ذلك بستة أيام من شوال، فعن أبي أيوب رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ‹‹من صام رمضان، وأتبعه ست من شوال كان كصيام الدهر›› وكذلك قيام الليل باقٍ لا ينتهي بانتهاء رمضان لكن قصد الجماعة لا يكون إلى في رمضان أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة في جوف الليل، فحياة المسلم كلها عبادة ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]. اشكروا الله واحمدوه على نعمه الظاهرة والباطنة، اشكروه على نعمة الإسلام، احمدوه واشكره على نعمة الأمن والإيمان،  وتيسر الأرزاق، والمنافع والمرافق، والتمتع بالطيبات التي لا تحصى، وشكر الله على ذلك بطاعة الله ودوامها، واجتناب معصيته، وملازمة التوبة، واستغلال هذه النعم في مرضاة الله -سبحانه وتعالى-. جرت عباد الله عادة بعض الناس أنه يخص المقابر بزيارة أقربائه الأموات يوم العيد، وهذا لم يجري عليه عمل المسلمين، وهو من الأمور المحدثة الخاطئة فلتكن زيارتهم في أي يوم من أيام السنة، والدعاء لهم كل وقت بالمغفرة والرضوان والجنة. اللهم تقبل منا صيامنا، وصلاتنا، واجعل اعيادنا كلها أعياد خير وأمان وإيمان، اللهم احفظ بلادنا، وولاة أمورنا من كل سوء ووفقهم لتحكيم كتابك وسنة نبيك، وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير، وترشدهم إليه، اللهم أعن إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم أعن إخواننا في سوريا، وأعن إخواننا في اليمن، وفرج كربتهم، وكن لهم عونًا ونصيرًا يا رب العالمين، اللهم عليك بالظالمين، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر. عباد الله، كان السلف يهنئون بعضهم بعض بالعيد، ومن هنا أقول للجميع تقبل الله منا ومنكم، وعاده علينا وعليكم باليمن والإيمان والبركات والخيرات والمسرات، وصلى الله وصلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.