الطيرة شرك
الطيرة شرك
  | , 6068   |   طباعة الصفحة


  • الطيرة شرك.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة في يوم 1 ربيع الثاني - عام 1438هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي وصيته للأولين والآخرين قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أن اتَّقُوا اللَّهَ[النساء:131]. عباد الله، إن أهم المهمات، وأوجب الواجبات معرفة توحيد الله -تبارك وتعالى-، وما يناقضه من الشرك والخرافات والضلالات؛ لأن التوحيد هو أساس هذا الدين وعليه يقوم، وهو أول ما أمر الله -عزَّ وجلَّ- به العباد والأصل الذي خَلَقَنا الله -عزَّ وجلَّ- لأجله، قال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]. وإلى التوحيد دعا جميع الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-، قال -جلَّ جلاله-: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36]، وقبول الأعمال متوقفٌ على تحقيق التوحيد، وكمال التوحيد في قلب المؤمن من أسباب دخول الجنة بغير حسابٍ ولا عذاب. عباد الله، المؤمن الموحد يعلم أن كل شيءٍ إنما هو بقدر الله تعالى، وأن ما شاء كان، وما لم يشاء لم يكن، وأنه ليس ثمة شيءٌ يمكن أن يَرُد قضاء الله وقدره. قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر:49]، وروى زيد بن ثابت وغيره -رضي الله عنهم- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لو كانَ لك مثلُ أُحدٍ ذهبًا أو مثلُ جبلِ أُحدٍ ذهبًا تنفقُهُ في سبيلِ اللَّهِ ما قَبِلَهُ منكَ حتَّى  تؤمِنَ بالقدرِ كلِّهِ فتعلمَ أن ما أصابكَ لم يكن ليخطئَكَ، وما أخطأكَ لم يكن ليصيبَكَ، وأنَّكَ إن متَّ على غيرِ هذا دخلتَ النَّارَ». وإن مما يناقض هذه العقيدة ما كان يعتقده أهل الجاهلية، وابتلي به بعض الناس في هذا الزمن وهو التطير والتشاؤم، والتطير في اللغة هو التشاؤم، ومعناه: توقع حصول الشر . عباد الله، سمي التشاؤم تطيرًا لأن العرب في جاهليتهم، كانوا إذا خرج أحدهم لحاجة يريدها قصد عُش طائرٍ فهيجه فإن طار جهة اليمين مضى في الأمر، وإن طار جهة الشمال تشاءم منه ورجع عما أراد. ولم يكن التشاؤم حادثًا عند العرب في جاهليتهم فقط بل كان موجودًا في الأمم التي سبقتهم فقوم صالح -عليه السلام- تشاءموا بنبيهم، قال -سبحانه وتعالى- عنهم: ﴿اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾ [النمل:47]، وأصحاب القرية تشاءموا بالمرسلين ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يس:18]. وبعض أهل النفاق كانوا يتشاءمون من دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وينسبون إليها ما يصيبهم من الشر كما قال تعالى عنهم: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ [النساء:78]. عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-، والسدي -رحمه الله- وغيرهما أنهم يقولون: "هذا تشاؤمنا بدينه". وجاء الإسلام وأبطل هذه العادة السيئة وهي التشاؤم والطيرة، ونفى تأثيرها وجعلها شركًا، فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا عَدْوَى ولا طيرةَ ولا هامةَ ولا صَفرَ»، وعن عبد الله ابن مسعودٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الطِّيرَةُ شِركٌ الطِّيرةُ شِركٌ» -ثلاثًا-، قالَ ابنُ مسعودٍ : "وما منَّا إلا ولَكنْ يذهبُهُ اللَّهُ بالتَّوَكُّلِ"، وعن عبد الله ابن عمروٍ -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من ردته الطيرة (أي: التشاؤم) مِن حاجةٍ فقد أشرَكَ». عباد الله، كان التشاؤم شركًا لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعًا أو يدفع ضرًا، وهذا الاعتقاد منافٍ لقول الله -جلَّ جلاله-: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس:107]. فالله -جلَّ وعلا- هو الذي بيده النفع والضر، والخير والشر وهذه الطيرة أو ما يتشاءم به الناس لا تجلب خيرًا ولا تدفع ضرًا وبعض الناس في هذا الزمان قد وقع في شيءٍ من ذلك فبعضهم يتشاءم بالأيام أو الشهور، أو الأصوات أو بعض الطيور كـ(البوم)، والحيوانات كـ(القط الأسود)، والأرقام وغير ذلك، ومنهم من يتشاءم بالرقم ثلاثة عشر وهي عادةٌ عند النصارى فلا يسافرون في هذا اليوم، ولا يعقدون أمرًا مهمًا، ولا تجارةً في ذلك اليوم، ولا جناح في المستشفى بهذا الرقم، ولا مقاعد بالطائرة بهذا الرقم، وللأسف أن بعض المسلمين أخذوا يتشاءمون من هذا الرقم، ويفعلون كما فعلوا. عن عمران ابن حصينٍ -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليس منَّا من تطير أو تطير له، أو تَكهن أو تُكهن له، أو سَحر أو سُحر له، ومن عقد عقدةً، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم». ومن العبارات المنتشرة بين الناس وفيها معنى التطير والتشاؤم مما يجب تركه، والبعد عنه، والتحذير منه وهو قولهم (خير يا طير). جلس رجلٌ عند ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما- فمر طائرٌ فقال هذا الرجل: (خيرٌ خير)، فقال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: "لا خير ولا شر". عباد الله، إن علاج الطيَّرة والتشاؤم هو التوكل على الله -جلَّ وعلى-، والمضي فيما عزم عليه، والبعد عن الوساوس الشيطانية، والخيالات الفاسدة، واليقين بأن الأمور بيد الله -تبارك وتعالى- وأن القدر مكتوبٌ، وأمر الله نافذ لا ترده الطيرة. وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- كفَّارتها لمن وجد في نفسه شيئًا من ذلك فعن عبد الله ابن عمروٍ رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من ردته الطيرة من حاجةٍ فقد أشرك. قالوا: يا رسول الله ما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول أحدهم اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك». وإن من أسباب توفيق الله للعبد: (صلاة الاستخارة) ومعناها طلب الخيرة من الله -عزَّ وجلَّ-، وهي ركعتان يصليهما العبد ويدعوا بعدهما بدعاء الاستخارة. فعلى المسلم الصادق أن يثق بربه -جلَّ وعلا-، وأن يتوكل عليه في جميع شؤونه، بقلبه وجوارحه، وأن يعتمد على الله -عزَّ وجلَّ- في جلب المنافع ودفع المضار، وأن يؤمن إيمانًا كاملًا أن الله كافيه إن هو حقق التوكل. قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا[الطلاق:3] بارك الله لي ولكم في القران العظيم، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، روى البخاري ومسلمٌ عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا طِيَرَةَ، وخَيرُها الفَألُ قالوا: وما الفألُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الكلِمَةُ الصَّالحةُ يسمعُها أحدُكم» وفي روايةٍ لمسلم: «وأحب الفال الصالح». فالتفاؤل ضد التشاؤم وهو من المعاني التي تحبها النفوس، ومعناه استحسان كلامٍ يتضمن نجاحًا أو سرورًا أو تسهيلًا فتطيب النفس لذلك، ويقوى العزم عند الإنسان، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب ذلك ويستبشر بالخير عند سماع الأسماء الطيبة كما في يوم الحديبية عندما طلع سهيل ابن عمرو فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سهل الله أمركم» أو فكان كما قال -عليه الصلاة والسلام،-: «والفأل كله خير»؛ لأن الإنسان إذا أحسن الظن بربه ورجا منه الخير، وكان أمله بالله كبيرًا فهو على خير، ولو لم يحصل له ما يريد فقد حصل له الرجاء والأمل والتعلق بالله والتوكل عليه وكل ذلك خيرٌ، وكلها عباداتٌ جليلة أمر الله -تبارك وتعالى- بها وحث عليها. فنسال الله أن يرزقنا وإياكم كمال التوكل عليه، ويحيينا على التوحيد، ويتوفانا على التوحيد، ويجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.