آثار الذنوب والمعاصي
آثار الذنوب والمعاصي
  | 20880   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: آثار الذنوب والمعاصي
  • ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 14 ربيع الثاني 1435هـ ونقلت مباشرا على إذاعة موقع ميراث الأنبياء

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،، عباد الله اتقوا الله تعالى، وأطيعوه، وراقبوه في السر والعلن، ولا تعصوه، واعلموا أن الذنوب والمعاصي تضر في الحال وفي المعال، وإن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها، وما في الدنيا والآخرة شرٌ وداءٌ إلا وسببه الذنوب والمعاصي، فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور إلى دار الآلام، والأحزان، والمصائب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده، ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى على الماء رؤوس الجبال، وما الذي سلط الريح على قوم عادٍ حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية، ودمرت ما مرت عليه حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم القيامة، وما الذي أرسل على قوم ثمودٍ الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم، وما الذي رفع قرى قوم لوطٍ حتى سمعت الملائكة نِباح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعًا، وأرسل عليهم حجارةً من سجيل، وما الذي أرسل على قوم شعيبٍ سحابة العذاب كالظلل لما صارت فوق رؤوسهم أمطرت عليهم نارًا تلظى، وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بئسًا شديد فجاسوا خلال الديار، وقتلوا الرجال، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرةً أخرى فأهلكوا ما قدروا عليه، وتبروا ما علوا تدبيرا، وما الذي سلط عليهم أنواع العقوبات مرةً بالقتل والسبي، وخراب البلاد، ومرةً بـ جور الملوك، ومرةً بمسخهم قردةً وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب -تبارك وتعالى- ليبعثن عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة، وما الذي أهلك أقوامًا كثيرة جاءت أخبار هلاكهم في القرآن الكريم، وفي سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ما ذلك عباد الله إلا بسبب كفرهم، وعصيانهم، وعنادهم، وتكبرهم عن طاعة الله وطاعة رسله الكرام، وترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فاعتبروا يا أولي الأبصار. يقول -عز وجل-:﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَاَ﴾ [العنكبوت:40]. المعاصي ما حلت في ديارٍ إلا أهلكتها، ولا في قلوبٍ أعمتها، ولا في أجسادٍ إلا عذبتها، ولا في أمةٍ إلا أذلتها، فهي سببٌ لهوان العبد على الله، ﴿ُوَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍُ﴾ [الحج:18]. المعاصي تُزيل النعم، وتُحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنبٍ، ولا حلت به نقمةٌ ومصيبة إلا بذنبٍ ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى:30]، والله لا يُغير نعمةً أنعم بها على أحدٍ حتى يكون هو الذي يُغير ما بنفسه، فيُغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غَيَّر غُيّر عليه جزاءً وِفاقا ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت:46]. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمٌْ﴾ [الأنفال:53]. المعاصي تُورث الضيق في الحياة، والقلق في المعيشة، والاضطراب في الأذهان، كثيرٌ من الناس يشتكي ضيق الصدر أو يشتكي الوسواس أو الأمراض النفسية ثم يطلب القُراء والرُوقات، فإذا سألته عن عبادته وجدته لا يعرف المسجد، ولا المحافظة على الصلوات، ولا الدعاء، ولا الالتجاء إلى الله -عز وجل-. إن أمراضك، وضيقتك إنما هي بسبب بُعدك عن الله -عز وجل-، إنما هي بسبب الذنوب والمعاصي فتُب إلى الله -عز وجل- منها تجد الراحة والطمأنينة ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه:124]. صاحب المعاصي عباد الله ذليلٌ حقيرٌ محروم. قال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: ''إن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهانًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق إذا تساهل واستمر ولم يرجع انتكس، وارتكس ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين:14]. فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم بالذنوب والمعاصي يُمنع المطر، ويُحرم الناس من الغيث، وتزداد الأسعار، وتقل المُؤن، وتكثر القلاقل، وتعم الفتن، وتنتشر الأمراض الفتّاكة. عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يا معشر المهاجرين خصالٌ خمس إذا ابتُليتم بهن، وأعوذ بالله أن تُدركوهن لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يُعلنوا بها إلا فـ شافيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُذوا بالسنين، وشدة المُؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة اموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كانوا في أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله -عز وجل-، ويتحروا في ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم» رواه ابن ماجه وصححه الألباني. المعاصي عباد الله من الأسباب الكبيرة لسقوط الدول، وذهاب الأمن، وتسلط العدو، ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل:112]. وأقبح من ذلك عباد الله المجاهرة بالمعاصي، وإعلانها، والاستهتار بها، وبعقوبتها، فهذا طغيانٌ عظيم، وهم متوعدون بعدم المغفرة من الله -عز وجل-. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل أمتي مُعافى إلا المجاهرون، وإن من المجانة أن يعمل الرجل عملًا بالليل ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات الله -عز وجل- يستره، ويُصبح يكشف ستر الله عنه» متفقٌ عليه. فاحذروا عباد الله الذنوب والمعاصي، وراجعوا ربكم، وتوبوا إليه فهو الذي يغفر الذنوب جميعا ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53]. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله إنما نرى مما يحصل بالمسلمين إنما سببه هو الابتعاد عن الله، وعن دينه، وعن التمسك بسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن من ترك الدين يُسلط الله عليه ذُلًا لا ينزعه عنه حتى يرجع إلى دينه. إن النصر الحقيقي لا يكون إلا بنصر الله، ونصر الله: وهي طاعته، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وما يُغضبه ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:40]. كيف يريد المسلمون النصر وهم بعيدون عن ربهم؟ كيف يريدون النصر وهم في المعاصي والآثام غارقون؟ كيف يريدون العزة وهم يطلبونها من غير الله ومن غير الطريقة التي أمرهم بها ربهم؟ كيف يريدون العزة وهم يحتفلون بأعياد النصارى كل حين مرةً برأس السنة، ومرةً بعيد الحب، ومرةً بأعيادٍ أخرى فيها التشبه بالكفار، وكلما ذهبت إلى الأسواق المسلمين وجدت البضائع تُذكرك بأعياد النصارى، وتُذكرك بالكفر بالله ثم بعد ذلك يريدون العزة، ويريدون النصر. إن المقاومة الحقيقية هي مقاومة ابشرك بالله -عز وجل- بجميع صوره، ومقاومة الفواحش والمعاصي، ومقاومة الزنا والفجور المنتشر في تلك البلاد، مقاومة الخمر ومن يُقدسها، ومقاومة سب الصحابة والدين، ومقاومة العقائد الضالة، والفرق المنحرفة، فإذا تحققت هذه المقاومة صعُب على العدو أن يهزمنا مع إعداد العدة، وتهيئة النفوس بالتوحيد. أما إذا ضعفت هذه المقاومة، وانتشر الكفر بأنواعه، والفجور، والفواحش، والبدع، والزنا، والخمر، ولا نكير بل وكأنها لا تحتاج إلى مقاومة، فهذا يُسهل على العدو الدخول، والتسلط، والتغير، وتغير النعمة إلى نِقم، وتغير الأمن والأمان إلى فتنٍ وبلاء. فالعزة، والتمكين عباد الله لا تكون إلا بالتمسك بالدين ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج:41]. والعزة لا تكون إلا لمن أطاع الله ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون:8] اللهم أرشدنا لطاعتك، ووفقنا لمرضاتك، وأعِنا على ذكرك وشكرك يا رب العالمين. اللهم أعز دينك، وأعلي بكلمتك، وانصر عبادك الموحدين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار. اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا يا رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.