الإمام الحسن البصري
الإمام الحسن البصري
  | , 1563   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: وقفة تأمل / الإمام الحسن البصري (رحمه الله).
  • القاها: الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • لقاء: في إذاعة القرآن الكريم بدولة الكويت في ذي الحجة عام 1436هـ.

 
  • بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:
  • فهذه حلقة جديدة من برنامجنا وقفة تأمّل وهذه الوقفة سنجعلها مع إمام عظيم من أئمة التابعين وموقفه من الفتن التي حصلت في عصره وهو الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى.
  • إن علماء أهل السنة الصادقين هم أنموذج عظيم للاقتداء وترك الابتداع فإذا قلّبت طرفك في سيرهم عرفت أنهم على الحق سائرون وعلى السنة صابرون و منهم الصحابة الكرام والتابعون العظام ومن تبعهم بإحسان كإمام أهل السنة والجماعة صدقا وحقا الإمام أحمد رحمه الله تعالى وشيخ الإسلام بن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب رحم الله الجميع ولنا وقفة موجزة مع إمام من هؤلاء الأئمة الذين لهم موقف عظيم في مواجهة الفتن ومعالجتها في عصره والإنكار على من خالف أهل السنة في طريقة تعاملهم مع الفتن وهو الإمام أبو سعيد الحسن بن الحسن البصري رحمه الله تعالى، فقد عاصر هذا الإمام فتنة عظيمة من الفتن التي مرّت على المسلمين وهي ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي الظالم الجبّار المبير على أهل العراق وخروج بن الأشعث ومن معه عليه مطالبين بالتغيير ورافضين للظلم فحصلت بذلك فتنة عظيمة قتِّل فيها كثير من المسلمين فما هو موقف هذا الإمام الثابت على السنة؟ هل حثّهم على الخروج والتغيير؟ هل شارك معهم في قتالهم؟ كلا، بل إنه رحمه الله كان ينكر أشدّ الإنكار على من رأى الخروج أو دعا إليه له رحمه الله كلام كثير في هذا وفي كفّ الناس عن الخوض في الفتنة وأمرهم بالصبر حتى يأتي الله بالفرج لذلك كان يونس بن عبيد رحمه الله تعالى يقول: كان الحسن والله من رؤوس العلماء في الفتن والدماء لذلك لمّا قيل له: يا أبا سعيد ما تقول في السلطان فقال: ما عسيت أن أقول في قوم يلون في أمورنا بخمسة الجمعة والجماعة والفيء والثغور والحدود وما يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا ولما يصلح الله بهم أكثر مما يفسد. لكن مع موقفه هذا أكرهه بن الأشعث على الخروج معه لكنه لم يستمر معه ولم يقاتل بل ولّى هاربا حين سنحت له الفرصة وهذا يدل على عدم رضاه بذلك إطلاقا، يقول أيوب رحمه الله تعالى: قيل لابن الأشعث إن سرّك أن يُقتلوا حولك كما قُتِلوا حول جمل عائشة فأخرج الحسن فأرسل إليه فأكرهه.
  • وعن بن عون رحمه الله أنه قال: استبطأ الناس أيام ابن الأشعث فقالوا له أخرج هذا الشيخ يعني الحسن البصري قال بن عون نظرت إليه بين الجسرين وعليه عمامة سوداء فغفلوا عنه فألقى نفسه في بعض تلك الأنهر حتى نجى منهم وكاد يهلك يومئذ.  فانظر كيف فرّ من المشاركة معهم لعلمه بخطورة ذلك لذلك كان أهل البصرة يحمدون منه هذا الموقف وعلت مكانته عندهم بسببه وهذا يدل على أنه لم يكن مع ابن الأشعث فعن ابن عون رحمه الله قال: كان مسلم بن يسار أرفع عند أهل البصرة من أبي سعيد يعني الحسن البصري حتى خفّ مع ابن الأشعث، أي خرج معه وكفّ الآخر ولم يزل أبو سعيد في علوّ منها بَعدُ وسقط الآخر. وكان الحسن البصري رحمه الله لمّا سمع رجلا يدعو على الحجاج قال له: لا تفعل إنكم من أنفسكم أوتيتم إنّا نخاف إن عُزِل الحجاج أو مات أن يستولي عليكم القردة والخنازير.
  • وكان رحمه الله يقول إذا قيل له ألا تخرج فتغيّر قال: إن الله إنما يغيّر بالتوبة ولا يغيّر بالسيف. فهذا يدل على أن ما يفعله الآن ممن يخرج على ولاة الأمر بدعوى الإصلاح ليس بطريق صحيح وليس بطريق شرعيّ بل هو سبيل إلى الفتن وإلى الدماء وذهاب الأمن والأمان.
  • واسمع إلى هذه الحادثة وما فيها من العبر وكيف هو صبر الأئمة على السنة واتباعهم لها يقول سليمان الربعي رحمه الله: لمّا كانت الفتنة فتنة ابن الأشعث إذ قاتل الحجاج بن يوسف انطلق عقبة بن عبد الغافر وأبو الجوزاء وعبد الله بن غانم في نفر من نظرائهم فدخلوا على الحسن فقالوا له يا أبا سعيد ما تقول في قتال هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام وأخذ المال الحرام وترك الصلاة وفعل وفعل، قال وذكروا من فعل الحجاج قال فقال الحسن: أرى ألاّ تقاتلوا فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادّي عقوبة الله بأسيافكم وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين، قال فخرجوا من عنده ومهم يقولون نطيع هذا العلج وهم قوم عرب أي أنهم ما استمعوا لنصيحته وازدروا نصيحته واحتقروها قال فخرجوا مع ابن الأشعث. انظر إلى مآل عدم السمع والطاعة لولاة الأمر من الأمراء والعلماء قال: فقُتلوا جميعا فما سمعوا لنصيحة هذا الإمام فكانت تلك عاقبتهم حتى إن أحدهم وهو عقبة بن عبد الغافر وُجد صريعا يوم الجماجم مع ابن الأشعث لما انهزم الناس فكان يقول ذهبت الدنيا والآخرة. كما أنكر الحسن رحمه الله على سعيد بن جبير ومن معه فعن أيوب قال: قال لي الحسن ألا تعجب من سعيد بن جبير دخل عليّ فسألني عن قتال الحجاج ومن معه من أصحاب بن الأشعث كذلك أنكر على أخيه سعيد بن أبي الحسن حينما حثّ على الخروج مع بن الأشعث  رحمه الله تعالى، فعن أبي التيّاح قال: شهدت الحسن وسعيد بن أبي الحسن حين أقبل بن الأشعث فكان الحسن ينهى عن الخروج على الحجاج ويأمر بالكف وكان سعيد بن أبي الحسن يحظِّظ ثم قال سعيد فيما يقول: ما ظنكم بأهل الشام إذا لقيناهم غدا فقلنا والله ما خلعنا أمير المؤمنين ولا نريد خلعه لكنا نقمنا عليه استعماله الحجاج فأعزله عنّا فلما فرغ سعيد من كلامه تكلم الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا ايها الناس إنه والله ما سلط الله الحجاج عليكم إلاّ عقوبة فلا تعارضوا عقوبة الله بالسيف ولكن عليكم السكينة والتضرع وأما ما ذكرتم ما ظنّي بأهل الشام فإن ظني بهم أن لو جاؤوا فألقمهم الحجاج دنياه لم يحملهم على أمر إلا ركبوه هذا ظني بهم.
  • فهذا أنموذج واضح جليّ من مواقف العلماء في الفتن ومعالجتها ضمن الضوابط الشرعية فلا خروج ولا مظاهرات ولا قتال ولا سبّ ولا لعن ولا غير ذلك وقد أنكر الدخول في هذه الفتنة العظيمة جمع من العلماء غير الحسن البصري ومن ذلك إنكار أبي قلابة على مسلم بن يسار، وكذلك أنكر عليهم مطرِّف بن عبد الله لمّا دعوه إلى ذلك فعن حميد بن هلال قال: أتى مطرّف بن عبد الله زمان ابن الأشعث ناس يدعونه إلى قتال الحجاج فلمّا أكثروا عليه قال: أرأيتم هذا الذي تدعوني إليه؟ هل يزيد على أن يكون جهادً في سبيل الله؟ قالوا: لا قال: فإني لا أخاطر بين هلكة أقع فيها وبين فضل أصيبه. لذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:  وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيّب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرّة عن الخروج على يزيد وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة بن الأشعث ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم ولكن للأسف انقلبت كثير من المفاهيم وأصبح الاستدلال بفعل هؤلاء عند كثير من الناس يستدلون بفعل من خرج مع ابن الأشعث على الحجاج وقد سبق أن ذكرنا إنكار الأئمة عليهم وبيان أنهم خالفوا النصوص الشرعية ومما يدل على أن فعلهم باطل لا يجوز الاحتجاج به أنهم هم رجعوا عن هذا القول وندموا على ما فعلوا ويدل على ذلك ندم هؤلاء الذين خرجوا مع ابن الأشعث من القرّاء ممن بقي ولم يُقتل فعن أيوب أنه قال: لا أعلم أحدا قُتل إلاّ وقد رُغِب له عن مصرعه، أي ما تمنى أحد موتته ولا نجى إلاّ قد ندم على ما كان منه وقال العلاء بن عبد الكريم: ضحكت فقال لي طلحة بن مصرّف: إنك تضحك ضحك رجل ما شهد الجماجم.
  • فعليكم عباد الله الاحتجاج بالنصوص وتقديمها على قول من كان وأيّ أحد كان النصوص تدل على وجوب السمع والطاعة بالمعروف في غير معصية والصبر على جور الأئمة وبذل النصيحة لهم بالضوابط الشرعية والدعاء لهم وغير ذلك من الأمور الشرعية التي دلّت عليها نصوص الكتاب وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاللهم إنّا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.