وبأخلاق رسول الله ﷺ فاقتدوا
وبأخلاق رسول الله ﷺ فاقتدوا
  | 4761   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: وبأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتدوا.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 22 جمادى الأولى عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،    عباد الله، فقد قال ربكم – جل وعلا – داعيًا لكم ومرغبًا: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾[الأحزاب:21] فأبانت هذه الآية الجليلة: أن من كان يرجو الله واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وخوف اللّه، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه، يحثه على التأسي والاقتداء بالرسول -صلى اللّه عليه وسلم- في اعتقاداته، وأقواله، وأفعاله، وأخلاقه. فاقتدوا وتأسوا واهتدوا به –صلى الله عليه وسلم– في جميع أموره وأحواله، لاسيما أخلاقه الشريفة الجميلة، وأدبه الرفيع العالي، فلقد كان -صلى الله عليه وسلم- ذا خلقٍ عظيم عالٍ كريم، وأدب طيبٍ جليل، لا نظير له فيه ولا مثيل، شهد له بذلك ربه -سبحانه وتعالى- فقال في تقرير ذلك: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم:4]. وشهد له بذلك من عاشره، وخالطه، وجالسه من أصحابه، وأزواجه –رضوان الله عليهم أجمعين-، فصح عن البراء بن عازب –رضي الله عنه- وأنس بن مالك – رضي الله عنه– أنهما قالا: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا». وصح عن سعد بن هشام – رحمه الله – أنه قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. وتعني – رضي الله عنها – بذلك: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يتأدب بما جاء في القرآن من آداب طيبة، ويتخلق بما ذكر فيه من أخلاق عالية، بل إن تتميم صالح الأخلاق ومكارمها من مقاصد بعثته العظيمة، وإرساله للناس هدى ورحمة، فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ». فمن أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- الطيبة الجميلة: لين الجانب، واستعمال اللين مع المؤمنين، فلا يعاملهم بالخشونة والغلظة، ولا يقابلهم بالعنف والشدة والفظاظة، ولا يهينهم بالسباب والشتائم، ولا يعتدي عليهم بالأذية والضرب، بل تراه حسن المعاشرة معهم، لطيف القول إن حادثهم، رفيقًا بهم، سهلًا لا يثقل عليهم، سمحًا لا يغمهم، وقد وصف الله – عز وجل – خُلقه هذا ممتنًا عليه فقال سبحانه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[آل عمران:159]. وهذا خادمه أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قد خدمه سنين عديدة ثم يقول في شأنه معه: "خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟ وَلَا عَابَ عَلَيَّ شَيْئًا قَطُّ.  وفي لفظ آخر أنه قال: "خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، لَا وَاللَّهُ مَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ".  وصح عنه – رضي الله عنه – أنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ –صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا ذاهب يَا رَسُولَ اللهِ. وصح عن أبي عبد الله الجَدلي – رحمه الله – أنه قال: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ –أي؛ يرفع صوته في الأسواق، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ. وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ، أَوْ مَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ».  ومن أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- الطيبة الجميلة: الإعراض عن الجاهلين والسفهاء إذا خاطبوه بما لا يليق من القول، أو عاملوه بما لا يحسن من المعاملة، فيحتمل أذاهم، ولا يلتفت إلى ما قالوا أو فعلوا، ولا يعاملهم بالمثل، ولا يمتنع من مقابلتهم بعدها بالإحسان والعدل، امتثالها لأمر ربه –سبحانه وتعالى–حيث قال: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾[الأعراف:199]. فأمر اللّه تعالى في هذه الآية الجليلة: أن يُقابَل الجاهل بالإعراض عنه، وعدم مقابلة جهله بجهل مثله، فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فَصِلْهُ، ومن ظلمك فاعدل فيه أو اعف عنه، ومن تكلم فيك غائبًا أو حاضرًا فعامله بالقول اللين، ومن هجرك وترك خطابك فطيِّب له الكلام، وابذل له السلام. قد قال سبحانه في وصف عباده المتقين المخلَصين: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾[الفرقان:63] أي: خاطَبوهم بخطابٍ طيبٍ جميل يَسْلمون فيه من الإثم، ويَسْلمون من مقابلة الجاهل بجهله، وهذا مدح لهم، بالحلم الكثير، ومقابلة المسيء بالإحسان، والعفو عن الجاهل، ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال.  قد صح عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله تعالى عنها – أنها قالت: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. وصح عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال: " كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ –أي؛ عبائةٌ غليظة-، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. وصح عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْتَصِرًا مِنْ مَظْلِمَةٍ ظُلِمَهَا قَطُّ. قد قال الله – عز وجل – مرغبًا في هذا الخلق الطيب الجميل: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[فصلت:34] ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾[فصلت:35]. فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من تقواه أن تتخلقوا بكل خلقٍ جميل، وتنزهوا أنفسكم عن كل خلقٍ رذيل، فإن العبد لا يزال يترقى بأخلاقه العالية، ويرتفع بآدابه السامية، ويثقل ميزانه بمكارمه، ولا يزال يسفل في أخلاقه، وينزل في آدابه، وينحط في مكارمه، حتى يهبط في أسفل الدرجات، وتثقل صحيفته بالآثام والخطيئات. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله فتعلمون ما للأدب الجميل، والخلق الحسن الرفيع، من آثار طيبة جليلة، وتعلمون كثرة النصوص النبوية المرغبة في حسن الأخلاق وتتميمها، فقد ثبت أن أحد الصحابة طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوصيه فقال -صلى الله عليه وسلم-كما في حديث أبي ذر: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». وصح أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم، فأجابه بقوله: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ». وثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الخُلُقِ». وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أن أحسن الناس أخلاقًا من خيار الأمة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقا». وقال –عليه الصلاة والسلام-: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ». وقال –عليه الصلاة والسلام-: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ». وقال –عليه الصلاة والسلام-: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فقَالَ –عليه الصلاة والسلام-: أَحْسَنُكُمْ خُلُقا». وبيَّن منزلة حسن الخلق من الإيمان، فقال: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقا». بل إن مَن حَسُن خلقه موعود ببيت في أعلى الجنة، فقد قال –عليه الصلاة والسلام-: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّاً، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحاً، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ». وثبت أن من دعاء –عليه الصلاة والسلام- الذي كان يدعو به ربه فيقول: «اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي، فَأَحْسِنْ خُلُقِي». اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ربنا اغفر لنا ولوالدينا يا رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.