من أحكام الصيام
من أحكام الصيام
  | , 4385   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: من أحكام الصيام.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان:  في مسجد السعيدي بالجهراء 29 شعبان 1435هـ .

 
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،، عباد الله لقد أظلنا شهرٌ كريم فيه يغفر الله -عز وجل- السيئات، ويضاعف فيه الحسنات، فيه تُفتح أبواب الجنة، وتُغلّق أبواب النيران، وتُصفد الشياطين، ويُنادى يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وإن خير ما يستقبل به المؤمن شهر رمضان؛ التفقه في الأحكام المتعلقة به حتى يُؤدي المسلم هذا الركن العظيم على الصفة الشرعية المطابقة لكتاب الله، ولسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإن العبادات مداها على التوقيف أي؛ على إتباع الكتاب وسنة نبينا -عليه الصلاة والسلام- يقول -عليه الصلاة والسلام-: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد». إن الأحكام المتعلقة بالصوم كثيرة، ومنها على سبيل الإيجاز المسائل التالية؛
  • أما المسألة الأولى: فإن الله تعالى فرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة.
يقول -عز وجل-:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183]، فـ فرضه علينا، وأخبر أنه قد فرضه على من قبلنا؛ تنبيهًا على شرف الصيام، وجلالته، وتسليةً لأهل الإيمان بأن من قبلهم صاموا فتخفوا وطأة الجوع والعطش بسبب ذلك ثم بيّن العلة التي لأجلها شُرع الصيام، وهي تحقيق تقوى الله -عز وجل- بفعل أوامره، واجتناب ما نهى عنه على أن القصد منه ليس مجرد الاقتصار على صورة ترك الطعام، والشراب، والشهوة دون اجتناب المعاصي، وفعل الطاعات.
  • الثانية: يجب صوم رمضان على كل مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ قادرٍ رجلًا كان أو امرأة.
فالكافر لا يُقبل منه الصيام حتى يُسلم، والمجنون مرفوعٌ عنه القلم حتى يُفيق، والصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه صيامٌ لكن إذا كان قادرًا عليه فيُغمر به تمرينًا عليه، وتعويدًا عليه حتى لا يبلغ إلا وقد ألف الصيام وأحبه كما كان صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعلون مع أولادهم.
  • والثالثة: لا يثبت دخول شهر رمضان شرعًا إلا بأحد أمرين؛ رؤية هلاله بعد غروب الشمس من اليوم التاسع والعشرين من شعبان وهي هذه الليلة، فإن لم يُرى فـ بإتمام شعبان ثلاثين للأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع.
وتكفي شهادة مسلمٍ واحدٍ عدلٍ بإثبات دخول شهر رمضان، وأما الحساب الفلكي أو الرؤية بالمراصد، والمكبرات، فلا يُلتفت إليها؛ لأن ديننا دين يسرٍ، وسماحة لا تعنت فيه، وقد أرشدنا النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الرؤية المجردة، فإن عُدمت صرنا إلى إكمال شعبان ثلاثين.
  • وأما المسألة الرابعة: لا يجوز للمسلم أن يتقدم رمضان بصوم يومٍ ولا يومين كما هو الحال في هذا اليوم الذي هو يوم الشك كما ثبت بذلك الحديث، وكذلك هذا اليوم والذي يليه كما ثبت بذلك الحديث لكن يجوز له أن يصوم قضاءً بل يجب عليه إذا لم يتبقى من شعبان إلا بقدر أيام القضاء، ويجوز له أن يصوم صومه المعتاد كمن إعتاد أن يصوم الإثنين ووافق الإثنين آخر شعبان فلا حرج عليه أن يصوم.
  • الخامسة: يجب على المسلم أن يُبيت الصوم الواجب قبل طلوع الفجر، وإذا دخل رمضان، وحدثّ المسلم نفسه عازمًا أن يصوم الشهر كله فهذا يكفيه إن شاء الله، وإن جدد نية الصوم كل ليلة فهو أحسن، وتسحره دليلٌ على نيته، وليس ولا يُشرع النطق بالنية؛ لأنها من المحدثات، وإذا استيقظ المسلم بعد طلوع الفجر أول أيام رمضان، ولم يعلم به قبل الفجر، فإنه يُمسك عليه القضاء.
  • والسادسة: من رحمة الله تعالى أن جعل للمسلم أعذارًا تُبيح له الفطر وهي الأعذار التالية؛
 
  • أما العذر الأول: وهو المرض أو هو المرض الذي يشق معه الصوم.
أما المرض اليسير فليس بعذرٍ ولا يجوز له به الإفطار.
  • والعذر الثاني: السفر بأي وسيلةٍ كانت إذا كان السفر مسافة قصرٍ، ولم يقصد به التحايل على الصيام.
  • والثالث، والرابع: الحيض، والنفاس للمرأة.
  • والخامس، والسادس: الحمل، والرضاع فإن خافت الحامل والمرضع على نفسيهما أو خافت الحامل على جنينها أو خافت المرضع على رضيعها أفطرتا ثم قضتا على خلافٍ بين أهل العلم.
  • والعذر السابع: الكِبر الذي يشق معه الصوم مشقةً بالغة.
  • والعذر الثامن: أن يحتاج إلى إنقاض نفسٍ معصومةٍ من غرقٍ أو حريقٍ أو حادث سيرٍ، ولا يتمكن من إنقاذه إلا إذا أفطر.
 
  • والمسألة السابعة: يفسد الصيام بحصول أحد المفسدات التالية فإذا ارتكب شيئًا منها، فإنه يفسد به صيامه ذلك اليوم.
  • أما الأول؛ فهو الجِماع.
  • وأما الثاني: فإخراج المني عمدًا بمباشرةٍ أو استمناءٍ أو أما لو خرج في النوم احتلامًا فصومه صحيحٌ ولا شيء عليه.
  • والثالث: الأكل والشرب عمدًا، فإن أكل أو شرب ناسيًا فليس عليه شيء.
  • والرابع: استعمال الإبر المُغذية، أما الإبر غير المُغذية، وإبرة السكر فليست من المفطرات.
والأدوية المأكولة أو المشروبة كلها كذلك من المفطرات.
  • والخامس من المفطرات: الحِجامة، ومثلها التبرع بالدم.
أما خروج الدم من جرحٍ بغير إرادته أو رُعافٍ من أنفه أو إخراج الدم اليسير للتحليل أو خروج الدم من خلع ضرسٍ فهذا كله ليس من المفطرات.
  • والسادس: تعمد إخراج القيء، أما إن قاء ورجع بغير إرادته فلا شيء عليه.
  • السابع، والثامن: الحيض، والنفاس، فإذا حاضت المرأة أو نفست بطُل صومها ولو رأت الدم قبل الغروب بلحظات.
 
  • والمسألة الثامنة عباد الله من أحكام القضاء: من أفطر بسبب سفرٍ أو مرضٍ أو حيضٍ أو نُفاسٍ فليس عليه إلا القضاء، ومن أفطر بسبب عذرٍ دائمٍ لا يزول كالكبير أو المريض مرضًا مزمنًا لا يُرجى شفاءه فيُطعم عن كل يومٍ مسكينا لكل مسكينٍ نصف صاع، وإن جمع المساكين، وأطعمهم حتى أشبعهم أجزئه ذلك، ويكون الإطعام بعد الانتهاء من الصيام، ومن أفطر بسبب الجِماع فعليه التوبة، والقضاء، والكفارة المُغلظة، وهي عتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، وإذا أفطرت الحائض والمرضع فعليهما القضاء.
ومن أفطر متعمدًا بلا عذرٍ فعليه مع القضاء التوبة إلى الله -عز وجل- فإنها من كبائر الذنوب. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،،،، عباد الله هناك مسائل يكثر عنها سؤال الناس في رمضان، ومنها حكم الأكل والشرب عند سماع الآذان. والجواب أن الله -عز وجل- أمرنا بالإمساك عند المفطرات أو عن الإمساك عند المفطرات إذا طلع الفجر، فإذا كان المؤذن يُؤذن عند طلوع الفجر فلا يجوز الأكل والشرب، ومن أكل متعمدًا يُعتبر مفطرا، وإن كنا لا ندري هل يُؤذن على الوقت أم قبله فيُقال: الأحوط أن تُمسك عند سماعك للآذان فلا تأكل، ولا تشرب. ومن المسائل: استعمال بخاخ ضيق التنفس.
  • والجواب: أنه إذا كانت كبسولات تُنفذ في الفم فهي مفطرة.
وإن كانت بخارًا أو غازًا يتبخر في الفم فلا حرج في استعمالها، واستعماله في الليل أولى، وأفضل، وأحوط.
  • ومن المسائل: استعمال الإبر هل تُفطر أم لا؟ ويُقال: إذا كانت إبرًا مغذية فهي مفطرة، وإن لم تكن مُغذية فهي الإبر التي تكون في العضل فليست مفطرة، وكذلك الكحل، وقطرة العين، وقطرة الأذن لا تُفطر.
أما قطرة الأنف فإن الصحيح إنها من المفطرات.
  • ومن المسائل: إذا جامع قبل الفجر، وطلع عليه الفجر قبل أن يغتسل فهل صومه صحيحٌ؟
  • والجواب: نعم، صومه صحيحٌ فقد كان يحصل ذلك من النبي -عليه الصلاة والسلام- فيغتسل ثم يصلي الفجر.
 
  • ومن المسائل: إذا أكل قبل المغرب يظن الشمس قد غابت أو اشتبه عليه صوتٌ فظنه صوت المؤذن للمغرب.
فالصحيح أن صومه صحيحٌ وليس عليه قضاء. عباد الله إنه شهرٌ عظيمٌ ينبغي على المؤمن أن يستغله في طاعة الله -عز وجل-، وأن يرجع العاصي، والمذنب إلى ربه -سبحانه وتعالى-. إنه شهرٌ ينبغي على المؤمن أن يُكثر فيه من قراءة القرآن، ومن عبادة الله -عز وجل-، ومن ذكره، ومن التصدق، ومن أعمال الخير جميعا. اللهم تقبل منا صيامنا، اللهم اجعلنا من الصائمين القائمين، اللهم فقهنا في دينك، اللهم فقهنا في دينك، اللهم أعنا على صيام هذا الشهر وأداء حقه الذي يُرضيك عنا يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار وصلى الله وسلم على نبينا محمد.