قصة أصحاب الغار فوائد وعبر
قصة أصحاب الغار فوائد وعبر
  | 9916   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: قصة أصحاب الغار فوائد وعبر
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 28 محرم عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،، عباد الله، إن في قصص من قبلنا من الأمم عظةٌ، وعبرة، وفوائد جمّة يقول الله –سبحانه وتعالى-: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى﴾[يوسف:111]. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر لنا بعضها؛ لنستفيد منها فنحذر من الشر الذي فيها، ونعمل بالخير الذي فيها، وهذا الإخبار بالأخبار الماضية يدل على صدق رسالة نبينا –صلى الله عليه وسلم-، وأنه مؤيدٌ من الله تعالى يُخبره ببعض حوادث الماضي مما يُعد من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ومن تلك القصص المفيدة، والحوادث التي فيها موعظةٌ نافعة ما حصل لثلاثة رجالٍ دخلوا الغار فانحدرت عليهم صخرةٌ فأغلقت عليهم فماذا حصل لهم؟ وكيف خرجوا؟ ثم استمع لذلك من حديث نبينا -صلى الله عليه وسلم- روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نفر مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، دخلوا ليناموا في هذا الغار فانْحَدَرَتْ صَخْرةٌ مِنَ الْجبلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا : إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ»، وهذا فيه أنهم يعرفون أنه لا يكشف الضر إلا الله؛ لذلك لجئوا إليه، وهذا من تمام التوحيد بخلاف مشركي زماننا، فإنهم يلتجئون عند المصائب إلى أصحاب القبور الأموات الذين لا يملكون لأنفسهم نفعًا، ولا ضرا، فلا يكشف الضر إلا الله، فأخلصوا الالتجاء إليه في السراء والضراء ينجيكم مما أنتم فيه من المصائب، فقال رجلٌ منهم، أي من أولئك النفر الثلاثة الذين أُغلق عليهم الغار بدئوا يذكرون صالح أعمالهم يتوسلون بها على ربهم؛ ليكشف ما هم فيه من هذه المصيبة، قال أولهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالاً أي : لا أقدم في الشرب من اللبن عليهما أحدٌ، فنأى بي طلب الشجر يومًا أي؛ طال عليا اليوم وأنا أبحث عن الشجر والحطب، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما أي؛ اللبن فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما، وأن أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فلبثت والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما؛ حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي (أي يصيحون من الجوع) ، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللَّهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج منه، فهذا الرجل مخلصٌ في بِر والديه لا يُقدم عليهما أهله، ولا زوجه، ولا أولاده، ولو حصل ما حصل لشدة حرصه على رضا والديه وبرهما، وبر الوالدين من أعظم القربات التي يتقرب بههما العبد لله تعالى، وأمر الله –عز وجل- بها ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾[الإسراء:23]، ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾[الإسراء:24]، اللهم ارحم آبائنا، وأمهاتنا أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.                                   أما الآخر فقال: اللَّهم إنه كان لي ابنة عم ٍكانت أحب الناس إليَّ، وفي رواية : كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتها عن نفسها أي؛ طلبت منها ما يطلب الرجل من زوجته فامتنعت مني، حتى ألمّت بها سنة من السنين قحطٌ، وجوعٌ، وفقرٌ فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تُخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها، وفي رواية فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفضن الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها، وهي أحب الناس إليَّ، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللَّهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، فهذا ترك الزنا، وتصدق بهذا المال، وتاب إلى الله ورجع بعد أن سمع كلمة التذكير بتقوى الله –عز وجل- فاستمع لهذه الكلمة، وقبلها قلبه، وعمل بها؛ إخلاصًا لله –عز وجل-، ورغبةً فيما عند الله يقول –عز وجل-: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾[الإسراء:32] فليتقِ الله –عز وجل- من يستغل فقر بعض النساء في استمالتهن بالحديث، والتعارف ثم اللقاء ثم تقع الفحشاء عياذًا بالله، فاحذر كل الحذر أيها الشاب من الحديث مع النساء الأجنبيات بدون ضرورة ولو كان ذلك على سبيل الإفتاء، والنصح، ولو كان ذلك عن طريق برامج الهواتف فالشيطان له خطواتٍ يغر بها المسلم، ويغر بها المتدين حتى يقع في شباكه عافانا الله وإياكم.                           أما الثالث فقد قال: : اللَّهم استأجرت أُجراء وأعطيتهم أجرهم، غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره؛ حتى كثرت منه الأموال أي؛ -تاجر بماله- حتى كثُرت منه الأموال، فجاءني بعد حينٍ فقال: يا عبدَ الله أدِّ إليّ أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك من الإبل، والبقر، والغنم، والرقيق فقال: يا عبدَ الله لا تستهـزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستقاه فلم يترك منه شيئًا، اللَّهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون من الغار فهذا الرجل ذو أمانةٍ عالية، وأخلاقٍ في التعامل مع العمال، والأُجراء، والخدم لا يظلمهم حقهم، ولا يُؤخر عنهم أجرهم، ولما ذهب الأجير، ولم يأخذ أجره لم يظلمه، ويجحده بل رباه له، ونماه، وعمل به، فلما جاء صاحبه قال له: هذا مالك، وكل ما ربحت به فهو لك من الغنم، والإبل، والبقر، والعبيد، فأين مثل هذا الرجل في الأمانة والصدق؟ أين الذين يعيشون على الرشاوى في معاملاتهم؟ أين الذين يُخادعون ولاة الأمر في أخذ أموالٍ لا يستحقونها، وليسوا من أهلها إنما يأخذونها خداعًا، وكذبا فاتقوا الله في أموالكم، وفي تعاملاتكم.                               عباد الله إنا نريد رجالًا أمثال هؤلاء في التقوى، وبر الولدين، والأمانة والصدق في التعامل يخافون الله –عز وجل-، ويُخلصون أعمالهم لله لا يرجون بها وجه أحدٍ سواه، فما نجاهم إلا الله بسبب إخلاصهم في طاعاتهم هذه، فالأول في قمة البر لوالديه، والثاني ترك أحب الأشياء إليه خوفًا من الله -عز وجل-، ورغبةً فيما عنده، والثالث أمينٌ بما تحمله هذه الكلمة من معنى، فأخلصوا العمل لله، وراقبوا الله، وبروا والديكم تحوزوا بذلك أجرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، ويبعد عنكم مصائب الدنيا، وأهوال الآخرة.                                 أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه أما بعد،، عباد الله، في هذه القصة فوائد جمة منها؛ أهمية الإخلاص في العمل فلا يقبل الله -عز وجل- من العبد عملًا حتى يكون فيه مخلصًا لله -عز وجل- لا يرجو به رياءً، ولا سمعةً، ولا أحدًا حيًا أو ميتا، ولا يقبل كذلك، ولا يُقبل هذا العمل كذلك حتى يكون فيه متابعًا لنبينا -صلى الله عليه وسلم- غير مبتدعٍ، ولا مخترع، ولا مخالفٍ سبيل السلف الصالح، ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110]، ومنها: أن الزنا، والظلم محرمٌ في جميع الشرائع في ملتنا، وفي ملة جميع الأنبياء، ومن الفوائد: جواز التوسل إلى الله -عز وجل- بالعمل الصالح، وهذا من التوسل المشروع، فتقول مثلًا: اللهم إنا أو اللهم إني فعلت كذا لوجهك فأسألك ربي كذا وكذا، وهذا كثيرٌ في القرآن كما قال -عز وجل-: ﴿فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ﴾[آل عمران:193].                                                  أما التوسل بأهل القبور، والأموات، والأولياء، والسادة كما يزعمون فهذا من الشرك بالله –عز وجل-.                                                                                اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل، اللهم إنا نسألك الإخلاص في السر والعلن، اللهم تقبل منا أعمالنا الصالحة إنك أنت السميع العليم، ربنا اغفر لنا ولوالدينا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا، وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.