فضل بناء المساجد وعمارتها
فضل بناء المساجد وعمارتها
  | 22413   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: فضل بناء المساجد وعمارتها .
  • ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 3 جمادى الاخرة 1432.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعده:

فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعده:

عباد الله فإن الأعمال الصالحة تتفاوت في فضلها عند الله تفاوتًا عظيمًا ومن أفضل الأعمال الصالحة وأكثرها أجرًا بناء المساجد إيمانًا واحتسابًا، فإن المساجد بيوت الله في أرضه قد أمر وأوصى أن تبنى وأن تطهر وأن تعظم ونوه بشأنها وشأن عمالها الإمارة الحسّية والمعنوية, فقال سبحانه: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ*رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ*لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[النور:38-36].

وقال -عز وجل-: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾[التوبة:18].

فمن عمرها عمارة حسية ببنائها أو المساعدة والمشاركة في ذلك أو عمرها عمارة معنوية بعبادة الله فيها وهو ممن أمن بالله واليوم الآخر، فذلك ممن هدي إلى الخير والحق في الدنيا ووفق إلى سبيل السعادة والفوز في الآخرة.

عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من بنا مسجدًا يبتغي به وجه الله بنا الله له بيتا في الجنة», وفي رواية: «بنا اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ» متفق عليه, وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من بنا لله مسجدًا صغيرًا كان أو كبيرًا بنا الله له بيتًا في الجنة» رواه الترمذي, وفي هذين الحديثين وأمثالهما مما جاء في معناهما الترغيب الكبير في بناء المساجد ولو كانت صغيرة والترغيب في المساهمة في بنائها ولو بشىء يسير فمن فعل ذلك مخلصًا لله بنا الله له بيتنا في الجنة، وما ظنك ببيت في الجنة إذا كان مقدار السوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها, وما ظنك بمسكن وصفه الله بالمسكن الطيب, وما ظنك ببيت في جوار الرحمن إنها البيوت التي ينبغي أن تسارع إلى طلبها النفوس المؤمنة والقلوب الراغبة فيما عند الله تعالى, وعمارة المساجد من العمل الصالح الذي يجري أجره على العبد بعد موته حين ينقطع العبد عن العمل في وقت هو فيه أفقرَ ما يكون إلى ما قدم، وأحوج ما يكون إلى حسنة تضاف إلى سجله فيثقل بها ميزانه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «إن مما يلحق المؤمن من عمله و حسناته بعد موته علما نشره و ولدا صالحا تركه و مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته و حياته تلحقه من بعد موته» أخرجه ابن ماجه.

عباد الله.. إن من عمارة المساجد العناية بها وتنظيفها وتطييبها والمحافظة على كل شيء فيها من مرافقها وغير ذلك, فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتطييب المساجد وتنظيفها كما في حديث عائشة    -رضي الله عنها- وذلك من إكرامها وإكرام عمارها وزوارها من الناس والملائكة ومن أعظم الأسباب المعينة على عبادة الله فيها .

إن المساهمة في تنظيف المساجد ولو باليد عمل شريف لا يترفع عنه إلا من جهل فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- نخامة في جدار المسجد فحكها بيده الشريفة صلوات الله وسلامه عليه, وكانت جاريةٌ سوداء تقم المسجد، أي تنظف المسجد على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- «فافتقدها فسأل عنها فقالوا ماتت فقال: ألا آذنتموني, أي ألا أخبرتموني، فقالوا: ماتت بليل فكرهنا أن نشق عليك, فمشى إلى قبرها فصلى عليها» إكرامًا لها ومكافأة لها على عظيم صنيعها -رضي الله عنها-, وفي هذا درس لنا أن نوقر المساجد وأن نسعى في تطييبها وتنظيفها برفع الأذى عنها.

كما يجدر التنبيه إلى أنه ينبغي تربية أبنائنا على العناية ببيوت الله واحترامها وصيانتها عن كل سوء واحترام جميع مرافقها, ومن عمارة المساجد عُمرانها بالصلاة فيها فريضة ونافلة وبالاعتكاف على الهدي الشرعي وعمارتها بقراءة القرآن وتدريس العلم الشرعي ووسائله فهذه أعظم أنواع العمارة وأجلها شأنا عند الله ولذا أوجب النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته صلاة الجماعة وأمر بأن تؤدى في المساجد وأعد الله لمن مشى إلى المساجد الأجر الكبير في ذهابه وإيابه لا يخطو خطوة إلا رفع بها درجة وحط عنه بها خطيئة، الماشي إلى المسجد في الظلم مبشر بالنور التام يوم القيامة والجزاء من جنس العمل, وهكذا فإن التخلف عن الجماعة من غير عذر شرعي علامة على الخسران والخذلان؛ حتى هم النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحريق من يتخلف عنها لغير عذر, وحتى قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ما يتخلف عنها إلا منافق، أي إن لم يكن معذورًا.

المساجد منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- هي منارات العلم والتعليم والتفقه في دين الله فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلس مع أصحابه في المسجد فيعلمهم كتاب الله ويعلمهم مما علمه الله ثم إنه رغب أمته في الجلوس فيها وتدارسِ كتاب الله وبشر أصحاب هذه المجالس الكريمة الشريفة بملائكة تحفهم وسكينة تغشاهم ورحمة تنزل عليهم وذكرٍ من الله لهم في الملأ الأعلى.

ألا فهنيئًا لمن عمر بيتًا لله يبتغي بذلك وجه الله وهنيئًا لمن ساهم في بنائها ولو بالقليل وهنيئًا لمن كان من عمارها بالصلاة والذكر وقراءة القرآن لا ترى قلوبهم إلا معلقة بها أولئك في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.

أسال الله لي ولكم من واسع فضله وكريم عطائه إنه جواد كريم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

                                              الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:

عباد الله.. فإنه إذا كانت عمارة المساجد من أفضل القربات، ومن أجل الأعمال الصالحات فإنه ينبغي أن تصان المساجد عما يغضب الله -عز وجل- وأعظم ذلك صيانتها عن أسباب الشرك والوثنية بالحذر من بنائها على قبور الصالحين وبالحذر من دفن الصالحين فيها, فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من ذلك لاسيما عند موته فكان يقول في سكرات الموت: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد», ووصف من يفعل ذلك بأنهم شرار الخلق عند الله يوم القيامة.

إن وجود القبور في المساجد وسيلة إلى التبرك بها والطواف حولها ودعاء أهلها والاستغاثة بهم وغير ذلك من صور الشرك الأكبر ووسائله ولعياذ بالله, كما يجب أن تصان المساجد عن البيع والشراء والسؤال عن المفقودات فيها فلم تبن المساجد لهذا إنما بنيت لذكر الله وإقام الصلاة فيها.

عباد الله.. اشكروا الله على ما من به عليكم في هذه البلاد من عمارة المساجد على أحسن ما يكون البناء وتوفير كل وسائل الراحة فيها, فقد سخر كثير من أهل الخير والإحسان نصيبًا كبيرًا مما من الله به عليهم في إقامة بيوت الله وها هي قائمة تنتظر منكم عمارتها بعبادة الله فيها على الوجه الذي يرضيه.

نسال الله في هذه الساعة الكريمة أن يجزي عمار بيوت الله من المؤمنين الذين يريدون ما عند الله خير الجزاء وأن يتقبل منهم وأن يخلفهم عما أنفقوا خيرًا، وأن يرفعهم بها في الدرجات العلى من الجنة,  كما نسأله –سبحانه- أن يجعلنا وإياكم وإياهم ممن يعمرون بيوته بذكره وشكره وحسن عبادته وإقام الصلاة فيها بالغدو والآصال إنه سميع مجيب الدعوات.

اللهم آمنا في دورنا, اللهم آمنا في دورنا, اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ووفقهم لما فيه رضاك يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات, الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.