فضائل أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان
فضائل أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان
  | , 6698   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: فضائل أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان .
  • ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 15 جمادى الاولى 1433.

  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:- فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةً بدعة، وكل بدعةً ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:- عباد الله، إن من الأمور العقدية المسلمة عند أهل السنة والجماعة، هو حفظ مكانة أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، واعتقاد عدالتهم جميعًا، وأنهم خير هذه الأمة بعد نبيها -صلى الله عليه وسلم-؛ لذلك أُمرنا بالثناء عليهم، وذكرهم بالجميل ومن ذكرهم بغير ذلك فهو على غير السبيل، يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد من ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» وفي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- ، قال: قيل لعائشة: "إننا سمعنا يتناولون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى أبا بكر وعمر قالت --رضي الله عنها-ا-: وما تعجبون من هذا، انقطع عنهم العمل، فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر"، ويقول الإمام أحمد -رحمه الله-: "إذا رأيت الرجل يذكر أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسوء فاتهمه على الإسلام"، ويقول أبو زرعة: "فاعلم أنه زنديق"، ويقول الطحاوي -رحمه الله-: "ونحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا نفرق في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرأ من أحدهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان، وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق، وطغيان". عباد الله، ومن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، المشهود لهم بالعدالة والخيرية، ومن أصحاب المناقب والفضائل الصحابي الجليل، أبو عبد الرحمن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، هذا الصحابي الجليل لم يسلم من طعن أهل الأهواء، والبدع الذين لم يحترموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا صحابته الكرام رضوان الله عليهم، ومن افترى على معاوية فقد افترى على صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- جميعًا، فلا شك ولا ريب أن معاوية من أكابر الصحابة نسبًا، وقربًا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلمًا وحلمًا فاجتمع لمعاوية شرف الصُحبة، وشرف النسب، وشرف مصاهرته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو خال المؤمنين، وكاتب وحي رسول رب العالمين، وشرف العلم والحلم، والإمارة، والخلافة، وبواحدة مما ذكرنا تتأكد المحبة لأجلها، فكيف إذا اجتمعت وهذا كافل الإيمان في قلبه أدنى إصواء للحق، وإذعان للصدق. ومعاوية -رضي الله عنه- داخل في جملة الأدلة الدالة على فضل الصحابة وعدالتهم، كقوله عز وجل: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ -رضي الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 100]. أسلم معاوية عام الفتح، يقول ابن كثير -رحمه الله-: "كان أبوه من سادات قريش، وتفرد بالسؤدد بعد يوم بدر، ثم لما أسلم بعد ذلك حسُن إسلامه، وكان له مواقف شريفة، وأثار محمودة في يوم اليرموك وما قبله، وما بعده، وصحِب معاوية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكتب الوحي بين يديه مع الكُتاب، وروى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة في الصحيحين، وغيرها من السنن، والمسانيد، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين" انتهى كلامه -رحمه الله-. ومن فضائله: دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالهداية، فقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: «اللهم اجعله هاديا مهديا، واهد به» يعني بذلك معاوية -رضي الله عنه-، وكان أحد من كتبوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- الوحي، فقال أبو سفيان للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا نبي الله، ثلاث أعطينهن، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجملهم أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك، قال: نعم، قال: وتأمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم» رواه مسلم. وفي عهده -رضي الله عنه- فتحت قبرص، وقاتل المسلمون أهل القسطنطينية، أخرج البخاري في صحيحه، عن أم حرام أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول: «أول جيش من أمتي يغزون البحر فقد أوجبوا» أي الجنة «قالت أم حرام: قلت يا رسول الله أنا فيهم، قال: انت فيهم»، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، فقلت: أنا فيهم يا رسول الله، قال: لا» يقول سعيد بن عبد العزيز -رحمه الله-: "لما قُتل عثمان ووقع الاختلاف لم يكن للمسلمين في غزواً حتى اجتمعوا على معاوية فأغزاهم مرات، ثم أغزى ابنه في جماعة من الصحابة برا وبحرا، حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل". وقد شهد له ابن عباس -رضي الله عنه-ما بالفقه والعلم، ففي صحيح البخاري قيل لابن عباس: "هل لك في أمير المؤمنين معاوية، فإنه ما أوتر إلا بواحدة، فقال ابن عباس: إنه فقيه" وكان ابن عباس -رضي الله عنه- من فضلاء الصحابة، ومن آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا شهد مثله لمعاوية بأنه مجتهد فقيه، فلا ريب أن شهادته لا تضاهيها شهادة، يقول ابن حجر: (هذه شهادة من حبر الأمة بفضله -رضي الله عنه-). وكذلك أثنى عليه ابن عمر -رضي الله عنهما، حيث يقول: "ما رأيت بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسود من معاوية، قيل ولا عمر، قال: كان عمر خيرا منه، وكان هو أسود من عمر" ومعنى أسود أي أسخى وأعطى للمال، وقيل أحكم منه. وكان حريصًا على اتباع السنة، وكان يأمر الناس بالحديث وينهاهم عن مخالفته،  وكان إذا أتى المدنية وأُسمع من فقهائها شيئًا يخالف السنة، قال لأهل المدنية: أين علماؤكم، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: كذا، ورأيته يفعل كذا، وأخرج البخاري عنه أنه قال: «إنكم لتصلون صلاة، لقد صحبنا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فما رأيناه يصليها، ولقد نهى عن ركعتين بعد العصر» ، وأخرج مسلم عن عمرو بن عطاء قال: "إننا نافع بن جبير أرسله إلى السائب يسأله عن شيء رأه من معاوية في الصلاة، فقال: نعم صليت معه الجمعة في المقصورة فلما سلم قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي فقال: لا تعد لما فعلت إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج" وهذا من فقهه رضي الله تعالى عنه ومن أحكام الجمعة. ومن فضائله كذلك: استخلاف عمر -رضي الله عنه- معاوية على الشام، ولا شك أنها منقبة لمعاوية؛ لأن عمر كان شديد التحري في اختيار، واصطفاء الأمراء الصالحين، وأقره على استخلافه عثمان بن عفان -رضي الله عنهم، فلم ينزله ولم يعزله ، يقول الذهبي -رحمه الله-: "قال خليفة ثم جمع عمر الشام كلها لمعاوية، وأقره عثمان ، قلت: أي يقول الذهبي حسبُك بمن يؤمره عمر، ثم عثمان على أقليم، وهو ثغر فيهبطه، ويقوم به أتم قيام، ويرضي الناس بسخائه وحلمه، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله، وفرط حلمه وسعة نفسه، وقوة دهائه ورأيه، وكان محببا إلى رعيته عمل نيابة الشام عشرين سنة ، والخلافة عشرين سنة، ولم يهجوه أحد في دولته بل دانت له الأمم، وحكم على العرب والعجم. ومن حلمه رضي الله تعالى عنه وسؤدده أنه عندما ولي معاوية الشام كانت سياسته على رعيته من أفضل السياسات، وكانت رعيته تحبه، ويحبهم، يقول قبيصة بن جابر -رحمه الله-: "ما رأيت أحدًا أعظم حلمًا ولا أكثر سؤددًا، ولا أبعد أناةً، ولا ألين مخرجًا، ولا أرحب باعًا بالمعروف من معاوية" قال بعضهم: اسمع رجل معاوية كلامًا شديدًا، فقيل له لو سطوت عليه –أي لو عاديته وحكمت عليه- فقال: "أني لأستحي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي" هذه بعض فضائله، ومناقب هذا الصحابي الجليل، فمن رأينه يطعن فيه بعد ذلك فاعلم أنه مبتدع صاحب هوى. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وأما بعد:- عباد الله، كان السلف الصالح لا يفضلون أحدًا على صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يرضون بالطعن على أحد منهم، ومما يدل على ذلك أن بعض الناس فضل عمر بن عبد العزيز، وهو من التابعين ومن المشاهير بالعدل، فضله على معاوية، فماذا قال السلف في ذلك؟ قال رجل للمعافى بن عمران: "عمر بن عبد العزيز أفضل من معاوية، فغضب المعافى، وقال: لا يقاس أحد بأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، معاوية صاحبه وصهره وكاتبه، وأمينه على وحي الله عز وجل. وسئل ابن المبارك عن معاوية، فقال: "ماذا أقول في رجل قال رسول الله صلى الله عليه : «سمع الله لمن حمده، فقال معاوية خلفه: ربنا ولك الحمد»، وقيل له أي ابن المبارك: "أيهما أفضل هو أم عمر بن عبد العزيز، فقال رضي الله تعالى عنه: لترابُ في منخري معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد في سبيل الله، خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز"، وهذا يدل على مكانة الصحبة وأن فضلها لا يعدلها فضل ولا عمل. وقال الفضل بن زياد: "سمعت أبا عبد الله وقد سئل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص، أيقال له رافضي؟ فقال -رحمه الله- الإمام أحمد: إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء، ما انتقص أحد من الصحابة إلا وله داخله سوء. وقال إبراهيم بن ميسرة: "ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانًا قط إلا إنسانًا شتم معاوية فإنه ضربه أسواطًا" ويقول أبو توبة الربيع بن نافع -رحمه الله- تعالى: كلمة عظيمة مشهورة: "معاوية ستر لأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإذا كشف الرجل الستر" أي طعن فيه اجترأ على ما ورائه". هكذا كان موقف السلف ممن يطعن في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو واحدا منهم، يقول الإمام أحمد -رحمه الله- تعالى في السنة، قال: "من السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم أجمعين، والكف عن الذي جرى بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو احدًا منهم فهو مبتدع رافضي، حبهم سنة والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بأثارهم فضيلة، وقال: لا يجوز لأحد أن يذكر شيئُا من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفوا عنه، بل يعاقبه ثم يستتِبُه فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت ويراجع". اللهم أرض عن صحابة نبيك الكرام، اللهم أرض عن الصحابة الكرام، اللهم أرض عن الصحابة الكرام، اللهم عليك بمن طعن بهم، اللهم عليك بمن طعن بهم. ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، بنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين أمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا أتنا في الدنيا حسنة، وفي الأخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.