سلاح المؤمن عند هجوم الهموم
سلاح المؤمن عند هجوم الهموم
  | 6947   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: سلاح المؤمن عند هجوم الهموم
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 10 ربيع الثاني عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،، عباد الله،فإن من حكمة الله تعالى أن جعل الدنيا غير خالصة العنت والشقاء، ولا خالصة السعادة ولا الهناء. فلا يزال العبد يتقلب فيها بين حالتين حتى ينتهي به الترحال إلى دار السعادة الخالصة جعلني الله وإياكم من أهلها أو إلى دار الشقوة الخالصة أجارنا الله وإياكم من النيران. إن أقدار الدنيا من غمومٍ، وهمومٍ، وأحزانٍ يصاب بها العباد على اختلاف طبقاتهم وأنواعهم من مسلمٍ وكافرٍ لكن للمسلم عند نزول الهموم به ما ليس لغيره من أهل الأرض فهو يملك من سلاح الإيمان الصادق، والعلم النافع ما يواجه به مصاعب الدنيا، فلا توهن قوته، ولا تضعضع عزيمته, ولا تحطم نفسيته . فلا يعدو أن يراها منحة في أثواب محنه، لا يراها سوى نعمة ربانية لكن جاءت بلباس المصيبة. هكذا هي المصائب وما ينتج عنها من همومٍ، وأقدار ومن همومٍ تكدر الخواطر، وتعكر المزاج، وتظلم الدنيا على عين صاحبها سواء كانت مصيبة فقد عزيزٍ أو تراكم ديونٍ، أو فقد مالٍ، أو فوات أمنيةٍ أو غير ذلك من مصائب الدنيا وأقدارها. إن سلاح المؤمن الذي يواجه به ذلك كله هو: إيمانه الصادق بقضاء الله –عز وجل- وقدره، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فلم تحزنُ لشيءٍ لابد لابد أن يقع ولم تأسف على فائتٍ لم يكن أبدًا ليقع ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[الحديد:22] ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾[الحديد:23] إن من لا يؤمن بالقدر إذا نزلت به المصيبة جنَّ جنونه، وفقد شعوره، وهجمت عليه الاضطرابات النفسية حتى ربما أهلك نفسه تلح عليه أسئلة الاعتراض على مجريات الأقدار، يلح عليه تأنيب النفس لو فعلت كذا لما كان كذا، لو كان كذا لم يحصل كذا، كما قال المنافقون من قبل: ﴿لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾[آل عمران:154] إن هذه الاعتراضات على أقدار الله إنما هي عذابٌ عاجلٌ قبل العذاب الأخروي فلا تسلكوا طريقهم، ولا تتبعوا سنتهم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[آل عمران:156] . من أسلحة المؤمن في مواجهة مصاعب الحياة ومصائبها: أن يعلم أن كل ما يقضي الله له فهو خيرٌ إن أحسن استغلاله، إذا أنعم الله عليك بنعمة تسرك فاشكرها؛ تكن من الشاكرين، وإذا نزلت بك بليةٌ تسوؤك فاصبر تكن من الصابرين فأنت بين حالين؛ إما مسرورٌ شاكر وإما مبتلى صابر، وأنت مأجورٌ في كلا الحالتين؛ لهذا يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له» رواه مسلم. تأمل عبد الله هل يشاركك أحد في الدنيا في هذه الخاصية من غير المسلمين، لا والله .. ولهذا يقول -صلى الله عليه وسلم- في الرواية الأخرى للحديث: «عجباً لأمر المؤمن، أمره كله له خير وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن»، فاحمد الله أن منَّ عليك بنعمة الإيمان. وأمرٌ آخر أن تعلم يا عبد الله أن ما تبتلى به من همٍ أو غمٍ صغيرٍ أو كبيرٍ حقيرٍ أو خطيرٍ، فإنه كفارة لك من ذنوبك على قدر المصيبة فحيثما وقعت المصيبة وقع التكفير للذنوب يقول -صلى الله عليه وسلم-: «لا يصيب العبد من همٍ ولا غم ولا وصبٍ ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه» عجيب والله !! تفعل المعصية باختيارك، ويكفرها الله بشيءٍ ليس باختيارك، ولكن ما العجب والله أكرم الأكرمين، وأيّ عجبٍ والله بالناس رءوف رحيم. فإن صبرت على المصيبة كُتب لك أجر الصبر وهو غير التكفير السابق للخطايا، ومعنى الصبر: أن تمنع قلبك من السَّخط على قضاء الله، وأن تمنع لسانك من التلفظ بما يغضب الله، وتمنع جوارحك كاليد من نتف الشعر أو لطم الخد أو شق الثياب كما تفعله النوائح أما حزن القلب، ودمع العين، والبكاء بدون الصراخ فلا بأس به إذ هو مما لا يعذب الله به. ومن أسلحة المؤمن التي يواجه به ما يصادفه في حياته من البلاء تدبر القرآن الكريم حيث تجد فيه ما وعد الله الصابرين من الأجر والثواب والنعيم المقيم، والنظر في أخبار أنبياء الله ورسله وأتباعهم، وما لقوا من العناء العظيم في هذه الدنيا، فقابلوا ذلك بالصبر. انظر لنوح -عليه السلام- وهو يصارع قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عاما، ومن أعدائه زوجه وولده. انظر لخليل الرحمن وما لقي من العناء كاده الناس، وتسلط عليه الجبابرة، وطرد من أرضه، وأوقدت له النار وطرح فيها، ونجاه الله من ذلك بعد صبر عظيم، انظر لموسى وما لقي من فرعون وقومه ثم ما لقي من بعض أتباعه من بني إسرائيل ما زال معهم في عناءٍ حتى لحق بالرفيق الأعلى. انظر لأيوب -عليه السلام- وما ابتلى به من المرض الطويل وموت الأهل فصبر على ذلك كله حتى جاء الفرج. وانظر لخاتم الرسل وسيدهم -صلى الله عليه وسلم- ولد يتيمًان ونشأ فقيرًا، وعاداه قومه، وأخرجوه وفقد في سبيل الدعوة إلى الله أحب الناس إليه وابتلاه الله بأنواع من البلاء، فمات أولاده كلهم قبله إلا فاطمة، وكان يبتلى ببعض الأوجاع والإصابات التي قد تلزمه الفراش، ولا يصلي بسببها إلا قاعدا، وكان يمر به الشهران، ولم يوقد في بيوته نار إنما يأكل هو وأزواجه الماء والتمر إلا أن يُهدى إليه شيءٌ. ومع ذلك كانوا لربهم حامدين شاكرين وعلى ما أصابهم صابرين فهؤلاء صفوة الخلق أفما لك يا عبد الله أسوةٌ أمالك في أخبارهم تخفيفٌ وسلوه. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله، فإن أسلحة المؤمن التي يواجه بها ما يعترضه من الهموم، والأقدار ،والمصائب كثيرة والحمد لله، ومنها الإكثار من الدعاء ولاسيما الأدعية الواردة في علاج الهموم والكربات فاحفظها أيها المهموم المغموم المكروب وتتدبرها، وألح بتكرارها حين حصول أسبابها بصدقٍ وثقةٍ وخشوعٍ وضراعة وستجد من عجيب الله بك ما لا يخطر لك على بال. من هذه الأدعية المباركة ما جاء في حديث ابن عباسٍ -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو عند الكرب يقول: «لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم» متفقٌ عليه. وعن أنسٍ -رضي اللّه عنه- عن النبيّ -صلى اللّه عليه وسلم- أنه كان إذا أكربه أمر قال: «يا حَيُّ يا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ» رواه الترمذي وحسنه الألباني. وعن أبي بكرة -رضي اللّه عنه- أن رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلم- قال : «دَعَوَاتُ المَكْرُوب: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو فَلا تَكِلْنِي إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وأصْلِحْ لي شَأنِي كُلَّهُ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ» رواه أبو داود وحسنه الألباني.   وعن أسماء بنت عُمَيْس -رضي اللّه عنها- قالت: قال لي رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلم- : «ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ تَقُولِيْنَهُنَّ عِنْدَ الكَرْبِ أو في الكرب اللَّهُ اللَّهُ رَبي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً». وعن سعد بن أبي وقاص -رضي اللّه عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلمٌ في شيء قط إلا استجاب الله له». هذه أدعية مباركة وإذا خرجت من قلبٍ صادق واثقٍ بوعد الله، وعظيمِ الرجاء به وفيما عنده كان لها أنفع الأثر بإذن الله. قد كان –صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من الهم، ومن الغم، فعن أنسٍ –رضي الله تعالى عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلعة الدين وغلبة الرجال. اللهم فرج هم المهمومين، واقضِ الدين عن المدينين، اللهم أعن إخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم فرج عنهم همهم يا رب العالمين، اللهم أعن إخواننا في سوريا، اللهم أعن إخواننا في سوريا، اللهم فرج عنهم يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.