خصائص هذه الأمة في الآخرة
خصائص هذه الأمة في الآخرة
  | 4992   |   طباعة الصفحة


  • خطبة الجمعة : خصائص هذه الأمة في الآخرة
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة في يوم 22 شعبان - عام 1438هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

 
  • الخطبة الأولى:
  إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله. أمَّا بَعْدُ... فإنّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، وشرّ الأُمور مُحدثاتها، وكُلَّ مُحدثة بِدعة، وكُلَّ بِدعة ضلالة، وكُلَّ ضلالة في النّار. أَمَّا بَعْدُ.. فأوصيكم – عباد الله - ونفسي بتقوى الله، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
  • عباد الله.
إن أمة الإسلام هي الأمة الباقية المنصورة إلى قيام الساعة، ولا تجتمع على ضلالة أبدا، وهي التي تحمل ميراث النبوة، وهي الأمة الكريمة على ربها، والعظيمة عند معبودها، والمفضلة عند الله يوم بعثها، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)﴾ [ فاطر: 32-35]. وقد جَعَلَ الله -عَزَّ وجَلَّ- لهذه الأمة خصائص ومزايا في الدنيا والآخرة، أمَّا خصائصها في الآخرة، فمنها: مصير الأمة الإسلامية في الآخرة إلى الجنة، بعد رحمة الله -عزَّ وجلَّ-؛ ومن خصائصها في الآخرة: أنها الأمة الوسط والشهيدة على الأمم؛ قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة:143]، وعن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ،فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ نُوحٌ –عليه السلام-: مُحَمَّدٌ –صلى الله عليه وسلم- وَأُمَّتُهُ، فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ»، رَوَاهُ البُخارِيُّ. ولقد خصت هذه الأمة في الآخرة: بزيادة الثواب مع قلة العمل، فيعطيها الله -جَلَّ وعَلَا- من الثواب أكثر مما يعطي غيرها من الأمم السابقة، مع أن أمة محمد-صلى الله عليه وسلم- أقصرهم أعمارا، والله تعالى يقول: ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة:105]. ويُمَثِّلُ النبي –صلى الله عليه وسلم- مكث أمته، ومضاعفة أجرها؛ فيقول: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا»، أي: من الأجر «ثُمَّ أُعْطِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيتُمُ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَقَلُّ عَمَلًا، وَأَكْثَرُ أَجْرًا؟! قالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا. فَقَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ. عباد الله، وإن مما تميزت به أمتكم في الآخرة: فداؤها بغيرها من الأمم السابقة من اليهود والنصارى وغيرهم، فيقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّار» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وقال نبِينا – صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا». والْمراد: أنّ لكلّ واحدٍ منْزلًا في الجنّة ومنْزلًا في النّار، فالْمؤْمن إذا دخل الجنّة خلفه الكافر في النّار؛ لاسْتحْقاقه ذلك بكفْره، كما قال النّوويّ -رحمه الله تعالى-. وممّا كرّمتْ به هذه الأمّة في الآخرة: أنّهمْ يأْتون يوْم القيامة غرّاً محجّلين منْ آثار الوضوء، وهو النّور والبياض في الجبْهة وفي اليديْن والرّجْليْن منْ مواضع أعْضاء الوضوء؛ فعنْ أبي هريْرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:«إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وإنّ ممّا شرفتْ به هذه الأمّة: أنّهم الآخرون السّابقون؛ لقوْل النبي –صلى الله عليه وسلم-: «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيِ: الآخِرُونَ زَمَانًا الأَوَّلُونَ مَنْزِلَةً، وَقَالَ نبينا –صلى الله عليه وسلم-: «نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. يقول ابْن حجرٍ -رحمه الله تعالى-: "والمراد أنّ هذه الأمّة وإنْ تأخّر وجودها في الدّنْيا عن الأمم الماضية فهي سابقةٌ لهمْ في الآخرة، بأنّهمْ أوّل منْ يحْشر، وأوّل منْ يحاسب، وأوّل منْ يقْضى بيْنهمْ، وأوّل منْ يدْخل الجنّة". عباد الله، وأمّا في عرصات يوْم القيامة فلأمّة الإسْلام مزيّةٌ على الأمم، فهي أوّل منْ يجْتاز الصّراط المنْصوب على ظهْر جهنّم مع نبيّها –صلى الله عليه وسلم-، ويصف النّبيّ –صلى الله عليه وسلم- هذا الموْقف فيقول: «وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. نسْألك اللهم السّلامة والعافية في الدّنْيا والآخرة، أقول ما تسْمعون واسْتغْفر الله لي ولكمْ منْ كلّ ذنْبٍ فاسْتغْفروه، إنّه هو الْغفور الرّحيم.    
  • الخطبة الثانية:
  الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه. أَمَّا بَعْدُ..
  • عباد الله.
وإن مما فضلت منه هذه الأمة في الآخرة، انفرادها بدخول الباب الأيمن من الجنَّة؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، حتى قال: «فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ ويُلْهمني مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ»، متفقٌ عليه، وهم أكثر أهل الجنَّة عددًا، فقد قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:«أهل الجنَّة عشرون ومائة صفٍّ، ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم».
  • عباد الله.
لقد خصَّ الله – عزَّ وجلَّ- هذه الأمة الإسلامية بأن جعلها أمةً مرحومة، فقال –عليه الصلاة والسلام-: «إنَّ أمتي مرحومة»، وجعل منها سادة أهل الجنة وأولهم رسولنا ونبينا محمدٌ –صلى الله عليه وسلم-، صاحب الوسيلة والمقام المحمود، ومنهم أبو بكرٍ وعمر-رضي الله عنهما- سيد كهول أهل الجنة، وفاطمة –رضي الله عنها- سيدة نساء أهل الجنة، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة – رضي الله عنهم أجمعين- وألحقنا بهم في الصالحين، وجمعنا وإيَّاهم وإيَّاكم في دار كرامته في الفردوس الأعلى. ثم صلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة والسلام عليه، فقد أمركم ربكم بذلك فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب:56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ولوالدينا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا، اللهم إن نسألك الثبات في القول والعمل، اللهم إنَّا نسألك أن تبلغنا رمضان، اللهم اجعلنا فيه من المقبولين، اللهم أعنَّا على صيامه وقيامه يا رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.