خصائص العشر الأواخر من رمضان
خصائص العشر الأواخر من رمضان
  | , 6203   |   طباعة الصفحة


  • خطبة الجمعة : خصائص العشر الأواخر من رمضان.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة في يوم 21 رمضان - عام 1438هـ في مسجد السعيدي بالجهراء. ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

 
  • الخطبة الأولى:
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله. أمَّا بعد،،، فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، وشرّ الأُمور مُحدثاتها، وكُلَّ مُحدثة بِدعة، وكُلَّ بِدعة ضلالة، وكُلَّ ضلالة في النّار. أمَّا بعد،،، عباد الله، لقد نزل بكم عشر رمضان الأخيرة، فيها الخيرات والأجور الكثيرة، فيها الفضائل المشهورة والخصائص العظيمة، فمن خصائصها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، فعن عائشة -رضي الله عنها-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم -كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ". رواه مسلم، وعنها قالت –رضي الله عنه-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر، شدَّ مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله"، متفقٌ عليه. ففي هذه الأحاديث دليلٌ على فضيلة هذه العشر؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرها، وهذا شاملٌ للاجتهاد في جميع أنواع العبادة، من صلاةٍ، وقرآنٍ، وذكرٍ، وصدقةٍ وغيرها؛ ولأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحيي ليله بالقيام والقراءة والذكر، بقلبه ولسانه وجوارحه؛ لشرف هذه الليالي، وطلبًا لليلة القدر، التي «من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه». ومما يدل على فضيلة العشر من هذه الأحاديث، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يوقظ أهله فيه للصلاة والذكر، حرصًا على اغتنام هذه الليالي المباركة، بما هي جديرةٌ به من العبادة، فإنها فرصة العمر وغنيمة لمن وفقه الله -عزَّ وجلَّ-، فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يفوَّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليالٍ معدودة، ربما يدرك الإنسان فيها نفحةً من نفحات المولى، فتكون سعادةً له في الدنيا والآخرة. وإنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الفادحة، أن ترى كثيرًا من المسلمين يمضون هذه الأوقاتِ الثمينة فيما لا ينفعهم، يسهرون معظم الليل في اللهو الباطل، فإذا جاء وقت القيام ناموا عنه، وفوتوا على أنفسهم خيرًا كثيرًا لعلهم لا يدركونه بعد عامهم هذا أبدًا، وهذا من تلاعب الشيطان بهم، ومكره بهم، وصده إيَّاهم عن سبيل الله، وإغوائه لهم، يقول -عزَّ وجلَّ-﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾[الحجر:42]. ومن خصائص هذه العشر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف فيها، والاعتكاف: لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله -عزَّ وجلَّ-، وهو من السنن الثابتة بكتاب الله، وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، يقول -عزَّ وجلَّ- ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾[البقرة:187]، واعتكف النبي -صلى الله عليه وسلم-، واعتكف أصحابه معه وبعده، فعن أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكف العشر الأَوَّلَ من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال: «إني اعتكف العشر الأَوَّل ألتمس هذه الليلة، ثم أعتكف العشر الأوسط، ثم أوتيت، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف». وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله -عزَّ وجلَّ- ثم اعتكف أزواجه من بعده". رواه مسلم، وعنها أيضًا أنها قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشَرةَ أيام، فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين يومًا". متفقٌ عليه. يقول الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "لا أعلم عن أحد من العلماء خلافًا أن الاعتكاف مسنون"، والمقصود بالاعتكاف: انقطاع الإنسان عن الناس؛ ليتفرغ لطاعة الله في مسجدٍ من مساجده؛ طلبًا لفضله وثوابه، وإدراكًا لليلة القدر؛ ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر، والقراءة، والصلاة، والعبادة. عباد الله، في هذه العشر المباركة ليلة القدر؛ التي شرفها الله على غيرها، ومَنَّ على هذه الأمة بجزيل فضلها وخيرها، أشاد الله بفضلها في كتابه المبين، فقال تعالى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان:3/4]، وصفها الله سبحانه بأنها مباركة؛ لكثرة خيرها وبركتها وفضلها، ومن بركتها أن هذا القرآن المبارك أُنزل فيها، ووصفها سبحانه بأنه ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾، يعني: يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة، ما هو كائنٌ من أمر الله سبحانه في تلك السنة من الأرزاق، والآجال، والخير، والشر، وغير ذلك. ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ من أوامر الله المحكمة المتقنة، التي ليس فيها خللٌ، ولا نقصٌ، ولا سفهٌ، ولا باطلٌ، ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ[الأنعام:96]، قال -سبحانه وتعالى- ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر (2)﴾ [القدر: 1/2]، القدر بمعنى: الشرف والتعظيم، أو بمعنى: التقدير والقضاء؛ لأنَّ ليلة القدر شريفةٌ عظيمة، يقدر الله فيها ما يكون في السنة، ويقضيه من أموره الحكيمة، وأنَّ الله أنزل فيها القرآن، الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة. ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ [القدر:2]، والاستفهام هنا من التفخيم والتعظيم ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر:3]، يعني: في الفضل والشرف وكثرة الثواب والأجر؛ ولذلك كان من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه،﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ [القدر:4]، الملائكة عبادٌ من عباد الله، قائمون بعبادته ليلًا ونهارًا، ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (20)﴾[الأنبياء: 19/20]، يتنزلون في ليلة القدر إلى الأرض بالخير، والبركة، والرحمة. والروح هو جبريل -عليه السلام- خصَّه بالذكر؛ لشرفه وفضله ﴿سَلَامٌ هِيَ﴾ [القدر:4]، يعني: أن ليلة القدر ليلة سلامٍ للمؤمنين من كل مخوفٍ لكثرة من يُعتق فيها من النار، ويسلم من عذابها ﴿حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾[القدر:4]، يعني: أنَّ ليلة القدر تنتهي بطلوع الفجر، لانتهاء عمل الليل به. ومن فضائل ليلة القدر: ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفقٌ عليه، فقوله: « إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا»، يعني: إيمانا بالله وبما أعدَّ الله من الثواب للقائمين فيها، واحتسابًا للأجر وطلب الثواب من الله –عزَّ وجلَّ-، وهذا حاصلٌ لمن علم بها ومن لم يعلم؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر. اللهم اجعلنا ممن يقوم ليلة الأجر إيمانًا واحتسابًا، أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.  أمَّا بَعْد،،، عباد الله، ليلة القدر في رمضان؛ لأنَّ الله أنزل القرآن فيها، وقد أخبر المولى –عزَّ وجلَّ- أن إنزاله في شهر رمضان، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر:1]، وقال –عزَّ وجلَّ-: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾[البقرة:185]، وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ». متفقٌ عليه. وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»، رواه البخاري. وهي في السبع الأواخر أقرب؛ لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليه وسلَّم- أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السبع الأواخر، فقال –عليه الصلاة والسلام-: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ – يعني اتفقت - فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ, فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ». متفقٌ عليه. ولمسلم عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِر»، يعني: ليلة القدر،ِ «فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي»، وأقرب أوتار السبع الأواخر ليلة سبعٍ والعشرين؛ لحديث أُبَي ابن كعب -رضي الله عنه- أنه قال: "وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهَا، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقِيَامِهَا هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ"، رواه مسلم. ولا تختص ليلة القدر بليلةٍ معينة في جميع الأعوام؛ بل تنتقل فتكون في عامٍ ليلة سبعٍ والعشرين مثلً،ا وفي عام آخر ليلة خمسٍ والعشرين تبعًا لمشيئة الله –عزَّ وجلَّ- وحكمته، وهكذا تتنقل بين الليالي، ويدل على ذلك قوله –عليه الصلاة والسلام-: «التَمِسُوهَا فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى»، رواه البخاري. يقول ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "أرجح الأقوال أنها في وترٍ من العشر الأخير وأنها تنتقل"، ومن الخطأ كسل الناس في الليالي الأشفاع، فقد نصَّ بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-، ونسبه إلى أبي سعيدٍ الخدري، إلا أنها قد تكون حتى في الأشفاع أيضًا؛ لذلك يقول شيخ الإسلام: "وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه"، وقد أخفى سبحانه علمها على العباد رحمةً بهم؛ ليكثر عملهم في طلبها، واختبارًا لهم، أيضًا ليتبين بذلك من كان جادًا في طلبها حريصًا عليها، ممن كان كسلانًا متهاونًا". عباد الله، ليلة القدر يُفتح فيها الباب، ويُقرَّب فيها الأحباب، ويُسمع الخطاب، ويُردُّ الجواب، ويُكتب للعاملين فيها الأجر العظيم،﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر:3]، فاجتهدوا رحمكم الله في طلبها، فهذا أوان الطلب، واحذروا من الغفلة ففي الغفلة العطب. اللهم إنَّا نسألك أن تجعلنا من المقبولين، اللهم اجعلنا في هذا الشهر من المقبولين ومن المغفور لهم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة:201]، اللهم نسألك أن تجعلنا ممن يقوموا ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، اللهم نسألك أن تجعلنا ممن يقوموا ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، اللهم نسألك أن تجعلنا ممن يقوموا ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.