تربية البنات
تربية البنات
  | 7547   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: تربية البنات
  • ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 11 جمادى الآخرة 1435هـ ونقلت مباشرا على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد.. عباد الله، ما منكم من أحد إلا سيبعثه ربه بعد موته، ويُسأله ويحاسبه عما قدم في دينه ودنياه، وإنَّ مما يسأل عنه العبد أهله وولده، كيف رعايته إياهم، وتربيته لهم، وفى هذا يقول –صلى الله عليه وسلم-: «الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها». ومما ينبغي الاهتمام به في باب التربية ما يتعلق بتربية البنات خاصة، لعظم شأنهن وبالغ أثرهن في المجتمع أخلاقًا وسلوكًا، فإن البنت إذا كبرت صارت الزوجة والأم والمعلمة وغير ذلك، مما ينتظرها من مهمات الحياة، فإذا صلحت صلح شيءٌ كثير، وإذا فسدت فسد شيءٌ كثير، وإذا نظرنا في كتاب الله وجدناه يشنع على أهل الجاهلية الأولى، أن الواحد منهم كان يستأ إذا بشر بالأنثى يظل وجهه مسودًا وهو كظيم، ثم يستحي من قومه فيتوارى عنهم خجلًا، ثم يأخذ يحدث نفسه أيأدها فيدفنها حيةً أم يبقيها على الهون والذل؟ فشنع الله عليهم ذلك وعابه، وهذه المشاعر الجاهلية لا تزال تعشعش في قلوب بعض الرجال ولاسيما إذا كثر من امرأته إنجاب البنات مع أن المرأة كالأرض تنبت ما يلقي الزارع فيها من البذور. وقد يحصل الحال ببعضهم إلى تطليق امرأته عقب ولادتها ببنتٍ نعوذ بالله من الجهل والجفاء. إن الإنجاب أمرٌ قدري أمره بيد الله –عزَّ وجلَّ- فهو يهب لمن يشأ إناثًا ويهب لمن يشأ الذكور، ويجمع لآخرين الذكور والإناث، ويبتلي آخرين بالعقم، قال –عزَّ وجلَّ: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا﴾ [الشورى:49-50]. وتأمل كيف قدم الإناث ردًا على من كان يحقر من شأنهن، وينتقص من مقدارهن، ولا يعدهنَّ شيئًا، فارضَّ بما قسم الله لك، فإنك لا تدري أين الخير. كم من أبٍ فرح يوم أن بُشِّر بمقدم ولدٍ ذكر ثم كان وبالًا عليه، وسببًا لتنغيص عيشه، ودوام همه وغمه، وكم من أبٍ ضجر يوم أن بُشِّر بمقدم بنتٍ في حين كان يترقب الذكر فتكون هذه البنت يدًا حانية، وقلبًا رحيمًا وعونًا على نوائب الدهر، يقول –صلى الله عليه وسلم-: «لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات». ومن هنا ندرك أن قرة العين على الحقيقة ليس بأن يكون المولود ذكرًا أو أنثى، إنما تتحقق إذا كانت ذريةً صالحةً طيبة، ذكورًا كانوا أم إناثًا، يقول –عزَّ وجلَّ- في وصف عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان:74] عباد الله، إذا رزقك الله بشيءٍ من البنات فأحسن القيام عليهن، تربيةً ونفقةً ومعاملةً محتسبًا في ذلك الأجر من الله تعالى، أو تدري مالك من الأجر عند الله إذا فعلت ذلك، إنك إذا فعلت كنت مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في الآخرة. ففي حديثه -عليه الصلاة والسلام- يقول: «من عال جاريتين -أي بنتين- حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه عليه الصلاة والسلام» رواه مسلم. وقال –صلى الله عليه وسلم-: «من أبتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنَّ له سترًا من النار» متفق عليه. والإحسان إليهن يكون بأمورٍ كثيرة ومنها: حسن اختيار الأم وهذا أول صور الإحسان إلى الذرية فإن صلاح الأم من أسباب صلاح أبنائها. كم حفظ الله من ذريةٍ بصلاح آبائها، وكذلك حسن اختيار الاسم، وتوفير حاجات البدن من غذاءٍ ولباسٍ ودواء، والسعي لأجل هذا الغرض من أسباب دخول الجنة، فقد دخلت على عائشة -رضي الله عنها- امرأةٌ ومعها بنتان لها، وكانت المرأة فقيرةً معدمة، قالت عائشة: "فسألتني فلم تجد عندي غير تمرةٍ واحدة فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وأبنتاها فدخل النبي –صلى الله عليه وسلم- فحدثته حديثها فقال: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار»" متفق عليه. كما ينبغي إكرامهن والعطف عليهنَّ ورحمتهن، كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا دخلت عليه فاطمة قال: «مرحبًا بابنتي»، وخرج يومًا يصلى بالناس وهو يحمل أُمامة بنت بنته زينب، فكان إذا ركع وضعها وإذا قام حملها. وكلما كبرت الفتاة احتاجت إلى مزيدٍ من الشعور بالتقدير والاحترام، فإذا وفرت لها هذه الحاجة وأحست بأن لها في بيت أبويها قيمةً ومنزلة كان ذلك أدعى إلى استقرار نفسيتها، وطمأنينتها واستقامة أحوالها، أما إذا رأت الاحتقار والإهمال، فلا تعامل إلا بلغة الأمر والنهى والطلب والخدمة أورثها ذلك كرهًا لبيتها ولأهلها، وربما وسوس لها الشيطان فأخذت تبحث عما تفقده من العطف والحنان بالطرق المحرمة التي تؤدي بها إلى هاويةٍ سحيقة الله أعلم أين يكون قرارها. عباد الله، يجب عليكم تربية بناتكم تربيةً إسلامية، وتعاهدها منذ مدارج العمر الأولى، تربيتها على: - آداب الاستئذان. - آداب الطعام والشراب. - آداب اللباس. - تلقينها ما تيسر من القرآن والأذكار الشرعية. - تعليمها الوضوء والصلاة، وأمرها بها إذا كانت بنت سبعٍ، وإلزامها بها إذا صارت بنت عشرٍ. فإنها إذا نشأت على الخير ألفته وأحبته، سهل عليها الالتزام به والثبات عليه. اللهم إنا نسألك أن ترزقنا الذرية الصالحة، اللهم أصلحنا وأصلح لنا أولادنا وذرياتنا يا رب العالمين. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، من أهم الأمور التي يجب عدم إغفالها في شأن البنات هو المبادرة إلى تزويجها إذا بلغت مبلغ النساء، وتقدم لها من يُرضى دينه وأمانته وخلقه ورضيت به، فإن هذا من أعظم الإحسان؛ لأن تأخير الفتاة عن التزويج من أعظم أسباب الانحراف عن الطريق السوية لاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن، وتيسير ولي الفتاة أمر زواجها من مهرٍ ومتطلباتٍ أخرى كل ذلك مما يشجع الراغبين في التقدم إلى الفتاة ثم إلى أخواتها من بعدها، وتعاهدها بالصلة والزيارة بعد تزويجها، وتلمس حاجاتها وعلاج ما يعترضها من المشكلات، ومشاركتها في أفراحها وأتراحها. ولتحذر الأسرة ولاسيما الأم من التدخل المباشر في حياة ابنتها فإن كثرة دخولها في ما لا يعنيها قد يودي بحياة ابنتها الزوجية،، ثم على الزوج بعد ذلك أن يتقى الله تعالى في هذه المرأة التي تركت بيتها وأهلها وعزها، وأصبحت تحت يده ومسئوليته فليأمرها بالمعروف، وينهاها عن المنكر، ويعاشرها بالمعروف ويحسن صحبتها، ولا يظلمها ويهينها كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «استوصوا بالنساء خيرًا فإنهنَّ عوانٌ عندكم –أي: أسيراتٌ عندكم- وخيركم خيركم لأهله» ، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- خير الناس لأهله. وتنبهوا عباد الله إلى وجوب العدل بين النساء فمن رزقه الله –تعالى- زوجتين فأكثر، فإنه يجب العدل بينهنَّ بالسوية في القسمة، والنفقة فيما يحتجنَّ إليه فمن خالف القسمة والعدل فقد ارتكب كبيرةً من كبائر الذنوب. وبعض الأزواج لا يرى زوجته ولا يكلمها إلا في يومها وهذا من الظلم، فإنه مسئولٌ عنها فيواصلها بالاتصال والزيارة، وتفقد أحوالها فهي قد رضيت لك أن تكون ثانية أو ثالثة أو رابعة، فلا تجعلها في غير يومها في بيتها وحيدةً حزينة دون سؤالٍ ولا تفقدٍ ولا رعاية، تجتالها الوساوس والأحزان والندم، وتحوم حولها الفتن وأسباب الشرور فاتقوا الله أيها الأزواج في نسائكم فإنكم عنهنَّ مسئولون محاسبون، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل». عباد الله، لا يخفى عليكم أننا نعيش في زمنٍ كثرت فيه الفتن، وتهيأت فيه من سبل الفساد والضلال ما لم يتهيأ مثله في عصرٍ من العصور السابقة وهذا يؤكد علينا المسؤولية، ويوجب مضاعفة الجهد في التربية والنصح والتوجيه، والأخذ بأسباب السلامة. ومن سبل الوقاية على وجه الإيجاز: استقامة الأب والأم وصلاحهما، وكذلك العناية بشأن الدعاء فإن له أثرًا عظيمًا. وهكذا ينبغي أن يعلم الأبناء الدعاء، ويلقنون منه ما ينفعهم الله به، فمن أسباب الصلاح كذلك: تعاهد الفتاة بالتوجيه والتنبيه بالأسلوب المناسب بالمباشرة أو التلميح حسب ما يقتضيه الحال، وكذلك توجيهها إلى إحسان اختيار الصديقة، فخصوصًا الأم فإن الصداقة لها أثرٌ عظيم في السلوك والأفكار وغير ذلك، ومنها تجنيب البيت وسائل الهدم والتدمير، فإن كثيرًا من القنوات الفضائية، وكثيرًا من مواقع الإنترنت تهدم أكثر مما تبني وكم ضاع بسببها من شرف، وكم تلطخ بسببها من عرض فالسلامة في البعد عنها فإن وجدت هذه الوسائل في المنزل فليراعي رب الأسرة ألا تكون هذه الوسائل مفتوحة الباب على مصراعيها لأهله يتابعون منها ما يشاءون، ويتصلون بالشبكة متى يريدون؛ لأنهم بذلك يضرون أنفسهم ضررًا عظيمًا. وهكذا أيضًا بالنسبة لأجهزة الهاتف فإنها لم تعد اليوم وسيلة مكالمةٍ فقط فانتبهوا لهن وراقبوهن، ولا تغفلوا عن ذرياتكم. اللهم أصلح لنا ذرياتنا، اللهم إنَّا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.