الأعمال بالخواتيم
الأعمال بالخواتيم
  | 6608   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: الأعمال بالخواتيم
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 20 صفر عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء

 

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،، عباد الله فإن الله تعالى خلق الثقلين لعبادته كما يقول -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56] خلقنا؛ لنتقرب إليه بالعقائد، والأعمال، والأقوال التي يرضاها ربنا -سبحانه وتعالى-، وشرعها لنا في كتابه، وسنها لنا على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، وأمرنا أن نثبت على عبادته، وإخلاص الدين له إلى يوم أن نلقاه، فليس لعبادة العبد لربه حدًا تتوقف عنده قبل الموت كما قال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[الحجر:99] يعني؛ الموت، وإن من الناس من ينشط في العبادة، وملازمة الطاعة، ومجانبة المعصية مدةً من عمره؛ إما بعد التوبة، وإما بعد رمضان، وإما في مواسم الحج، وإما أثناء مرضه، وكرباتٍ تمر به فإذا انتهت هذه المواسم، ومواسم الطاعات أو تفرجت القربات رجع القهقرى وراءه، واتبع هواه، وأسرف على نفسه، وفرط في جنب الله. كثيرٌ كان من أهل الاستقامة ثم أصبح وقد تغير حاله كثيرٌ منا أو كثيرٌ من هؤلاء كان يتورع عن المتشابهات، وأصبح لا يخاف المحرمات، كثيرٌ منهم كان يبتعد عن دقيق الأشياء، فأصبح يرتكب كبيرها بلا خوفٍ، ولا مبالاة انظر إلى حالك في أول أمرك، وفي أول عهدك، وكيف أصبحت في آخر أمرك. عباد الله، إن هذه السيئات، وتراكمها على العبد يُعرض حسناته لخطر المحق والزوال، وذلك أن السيئات إذا زادت على الحسنات رجح ميزان السيئات، وخفّ ميزان الحسنات ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾[الأعراف:9]، وقد أخبر سبحانه أن معصيةً واحدة قد تبطل عمل العبد من حيث لا يشعر كما قال –عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾[الحجرات:2]، وقد قال تعالى محذرًا من الإساءة بعد الإحسان: ومن الفساد بعد الصلاح: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾[النحل:91]. ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾[النحل:92] أي؛ لا تكونوا كتلك التي تتعب في غزلها فإذا انتهت من عملها قطعت ما نسجت، وأفسدت ما غزلت فهذا حال السفهاء الذين لا عقل لهم، ولا لُب، وقال -سبحانه وتعالى-: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾[البقرة:266]، وهذا مثلٌ ضربه الله لمن عمل صالحًا ثم أساء بعد ذلك، فإنك عملك الصالح بذورٌ يُنبت الله لك بها جنة فيها من كل الثمرات، وتجري من تحتها الأنهار فحافظ على بستانك بالمداومة على العمل الصالح، والطاعة، أما إذا أفسدت عملك بعد ذلك فإنك في حقيقة الأمر ترسل عليها أعاصير محرقة تهلك ثمارها، وتجفف أنهارها، وتجعلها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس، فتجئ يوم القيامة فلا تجد شيئًا من عملك الصالح، وأنت أحوج ما تكون إليه فما أعظم الحسرة يوم ذاك، وما أعظم الندامة، والغبن والعياذ بالله. عباد الله، لقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح البخاري أنه قال: ‹‹إنما الأعمال بالخواتيم فمن كان آخر عمله عمل أهل الجنة كان من أهلها ومن كان آخر عمله عمل أهل النار كان متوعدا أن يكون من أهلها››، ولأهمية الخاتمة يسأل الله الملائكة الذين يتعاقبون فينا في العصر والفجر فيسألهم ربهم: "كيف تركتم عبادي؟" ولم يقل: على أي شيءٍ وجدتم عبادي؛ لأن العبرة إنما هي بما تكون عليه نهاية عمل العبد لا بما كانت مبادئه، ولأهمية الخاتمة كان من علامات أهل السنة الثبات على الحق، والسنة على الممات، ومن علامات أهل البدع، والانحراف هو التلون في دين الله، وتغيير الجلود حاسبوا رضا اللامس لها، وحسب مصلحته فيصير كالشاة العائرة بين غنمين تصير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة لا تدري أيها تتبع كما وصفها نبينا -صلى الله عليه وسلم-؛ لذلك كان حذيفة -رضي الله تعالى عنه- يقول: إن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وأن تنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون في دين الله؛ فإن دين الله واحد، وإنك لتأسف لتجد هذا التحول والتلون ممن يُنسب إلى الدين والدعوة لكن ذلك دليلٌ واضحٌ على عدم التربية السنية الصحيحة بل تربوا على إرضاء الحزب، وسَدَّنَتِه، وتقديم طاعته على طاعة الله ورسوله فاجتهدوا عباد الله في طاعة الله، واجتنبوا معصيته، واحرصوا على الاستقامة والثبات، وسلوا ربكم الإعانة فإن العبد إذا لم يكن له عونٌ من الله وُكل إلى شيطانه وهواه، وإلى نفسه الأمارة بالسوء فأردته. اللهم ثبتنا على طاعتك، واجتناب معصيتك إلى يوم نلقاك، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،، عباد الله، فإن الثبات على الاستقامة، والسلامة من الانحراف بعد الطاعة له أسبابٌ كثيرة ذُكرت في كتاب الله، وفي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الأسباب بعد توفيق الله -سبحانه وتعالى-؛ منها دعاء الله بالثبات، بالصدق والإلحاح في ذلك، فقد كان من دعائه –عليه الصلاة والسلام- الذي يُكثر أن يقوله: ‹‹اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك››، وعلمنا الله في كتابه أن نقول: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾[آل عمران:8]. ومنها: كثرة قراءة القرآن، وترتيله، وفهمه، والعمل به كما قال –عز وجل-:﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾[الفرقان:32] أي؛ القرآن ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾[الفرقان:32]. ومنها: مجاهدة النفس على العمل بالعلم فإنك إذا عملت بما علمت ثبتك الله، وزادك من الهدى والخير، والاستقامة، يقول –عز وجل-:﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾[النساء:66]. ﴿وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا﴾[النساء:67]، ﴿وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾[النساء:68]. ومنها: ملازمة أهل العلم، والصلاح، والطاعة من أهل السنة، فإن المرء على دين خليله كما قال –عز وجل-:﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾[الكهف:28].ومنها: الرجوع إلى أكابر العلماء عند حصول الفتن، والشبهات لردها وبيان حكمها ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[الأنبياء:7]. ومنها:كثرة تذكر الآخرة، والوقوف بين يدي الله، والميزان والحساب، والصحف، والجنة، والنار، والصراط، وأنه لا ينفع في ذلك اليوم إلا أن يأتي العبد إلى ربه بقلبٍ سليمٍ من الشرك، وعلمٍ نافعٍ، وعملٍ صالحٍ، ولذا بعد أن علمنا الله أن ندعوه أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا قال –عز وجل-: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾[آل عمران:9]؛ لأن تذكر الميعاد تذكرًا حقيقيًا يُورث الخشية، والإنابة، والتوبة. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد.