أيها المؤمن اختر جليسك
أيها المؤمن اختر جليسك
  | 6824   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: أيها المؤمن اختر جليسك
  • ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 18 جمادى الآخرة 1435هـ ونقلت مباشرا على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نعبده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:- فإن أصدق الحديثِ كلام الله، وخير الهدي هديُ محمد- صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:- عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الإنسان في هذه الحياة لا يستطيعُ أن يعيش وحده في عزلةٍ تامة عن الناس، وهو بحاجة إلى مخالطتهم، ومجالستهم، وهذا الاختلاط لابد أن تكون له أثارٌ حسنةٌ أو قبيحة، حسب نوعية الجلساء والخلطاء ، ومن هنا تضافرت نصوص الكتاب والسنة على الحث على اختيار الجليس الصالح، والابتعاد عن الجليس السيء، يقول الله -عز وجل-: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الكهف: 28]، وقال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: 68]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وأما تبتاع منه، وأما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة)) متفق عليه. عباد الله، اجعل هذا الحديث الشريف دائمًا على بالك وأنت تخالط الناس في الأسواق والمجالس، وفي البيوت، والمدراس، وفي كل مجال تخالط فيه الناس، فاختر لصحبتك ومجالستك ومشاركتك في مزاولة أي عمل اختر الصالحين من الناس؛ ليكونوا لك جلساء، وزملاء، وشركاء، فهذا الحديث الشريف يفيد أن الجليس الصالح جميع أحوال صديقه معه خيرٌ وبركةٌ ونفع ومغنم، مثل حامل المسك الذي تنتفع بما معه إما بهبة، أو ببيع، أو أقل شيء تكون مدة جلوسك معه قرير العين، منشرح الصدر برائحة الطيب والمسك، جليسك الصالح يأمرك بالخير، وينهاك عن الشر، ويسمعك العلم النافع، والقول الصادق، والحكمة البالغة، ويعرفك عيوب نفسك ويشغلك عما لا يعنيك، يجهد نفسه في تعليمك وتفهيمك، وإصلاحك وتقويمك، إذا غفلت ذكرك، وإذا أهملت أو مللت بشرك، وأنذرك يحمي عرضك في مغيبك وحضرتك، أولئك القوم لا يشقى بهم جليسهم تنزل عليه الرحمة فتشاركهم فيها، وأقل ما تستفيد من الجليس الصالح وهي فائدةٌ لا يُستهان بها أن تنكف بسببه عن السيئات والمعاصي رعايةً للصحبة، ومنافسةً في الخير وترفعًا عن الشر. وفوائد الأصحاب الصالحين لا تعد ولا تحصى، وحسب المرء أن يعتبر بقرينه والمرء بختنة، وأن يكون المرء على دين خليله، والمرء مع من أحب، وصحبة الصالحين ينتفع بها حتى البهائم كما حصل للكلب الذي كان مع أصحاب الكهف، فقد شملته بركتهم فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال العجيبة، وصار له ذكر وخبر وشأن. أما صحبة الأشرار فإنها السم الناقع، والبلاء الواقع فهم يشجعون المسلم على فعل المعاصي والمنكرات، ويُرغبون فيها، ويفتحون لمن جالسهم وخالطهم أبواب الشرور، ويسهلون له سبل المعاصي، فقرين السوء إن لم تشاركه في إساءته أخذت بنصيب وافر من الرضا بما يصنع، والسكوت على شره، فهو كنافخ الكير على الفحم الملوث، وأنت جليسه القريب منه يحرق بدنك وثيابك، ويملأ أنفك بالروائح الكريهة. وفي مجالس الشر تقع الغيبة والنميمة، والكذب والشتم والكلام الفاحش، ويقع اللهو واللعب ومملائة الفساق على الخوض في الباطل فهي ضارة من جميع الوجوه  لمن صاحبهم، وشر على من خالطهم فكم هلك بسببهم أقوام، وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون ، ومن حيث لا يشعرون، وإليكم عباد الله واقعتين ومأساتين حصلتا بسبب صحبة الأشرار. الواقعة الأولى: ورد أن عقبة بن أبي معيط كان يجلس مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة ولا يؤذيه، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه يؤذونه -عليه الصلاة والسلام-، وكان لابن أبي معيط خليلٌ كافرٌ غائب في الشام ، فظنت قريش أن ابن أبي معيط قد أسلم، فلما قدم خليله من الشام، وبلغه ذلك غضب عليه غضبًا شديدًا، وأبى أن يكلمه حتى يؤذي النبي -صلى الله عليه وسلم- فنفذ ما طلب منه خليله الكافر، وأذى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكانت عاقبته أن قتل يوم بدر كافرًا، وأنزل الله -عز وجل- في ذلك: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 29]، وهي عامةٌ في كل من صاحب الظلمة، فأضلوه عن سبيل الله فإنه سيندم يوم القيامة على مصاحبتهم، وعلى الإعراض عن طريق الهدى الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وأما الواقعة الثانية: فقد روى البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه -رضي الله عنه- قال: لما حضرت أبا طالبٍ الوفاة جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعنده عبد الله بن أبي أمية، وأبو جهل، فقال له: ((يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)) فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فأعاد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعلا يعيدان ما قالا فكان اخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ))والله لأستغفرن لك ما لم أنهى عنك)) فأنزل الله عز وجل :﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ [التوبة: 113]، وأنزل الله في أبي طالب: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: 56]. ففي هذه الواقعة التحذير الشديد من مصاحبة الأشرار، وجلساء السوء، وفي يوم القيامة يقول القرين لقرينه من هذا الصنف: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ [الزخرف: 38]. ألا تنتبهوا يا عباد الله لأنفسكم، وجالسوا أهل البر والتقوى، وخالطوا أهل الصلاح والاستقامة، وابتعدوا وأبعدوا أولادكم عن مصحابة الأشرار ومصاحبة الفجار خصوصًا في هذا الزمن الذي قل فيه الصالحون، وتلاطمت فيه أمواج الفتن، فإن الخطر عظيم والمتمسك بدينه غريبٌ بين الناس، وقد وقع ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ((بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون ما أفسد الناس)) وفي رواية ((الذين يصلحون إذا فسد الناس)) وفي رواية ((هم النزاع من القبائل)) فتنبهوا لذلك وفقكم الله، يقول الله -عز وجل-: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ﴾ [الزخرف: 66 - 70]. أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، على آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:- عباد الله، ومما يجب أن يحذر صحبتهم ومعاشرتهم، كذلك أهل البدع من جميع المذاهب، فقد أجمع أهل العلم على وجوب الحذر من هؤلاء الضُلال، وهجرهم وتحذير الناس منهم، فإن في صحبتهم الشر الكبير، والخطر الأكيد، وهذا أمر مشاهد، فبمجرد أن ترى الشاب يصاحب هؤلاء الهلكى من أهل البدع وإلا إلا تجده مترديًا في هوه التكفير ومخالفة الجماعة، والخروج على الحكام، والقتل والتفجير، أو تجده غارقًا في مستنقعات التصوف، والشرك بالله، ومُلئ عقله من خرافات أهل الدجل والكذب، أو غير ذلك من الأهواء المضلة، والآراء الردية. فيجب على الوالد أن ينتبه لابنه وصحبه ابنه، فكم من شابٍ ظن الناس فيه خيرًا أو حميةً على الدين، وإذا به يلقي بنفسه إلى التهلكة ويقتل نفسه أو يفجرها، ويموت وهو مفارق للجماعة، وميتته ميته جاهلية، وخاتمته سيئة، وكله بسبب أولئك الرؤوس الضلال الذين لبسوا على كثير من الشباب، فأرضعوهم مذاهب التكفير، وأروهم الباطل حقًا والحق باطلًا،  وفصلوهم عن علماء الأمة من أهل السنة والجماعة المشهود لهم بالخير والفضل، وجعلوهم أتباعًا لبعض الدعاة الضلال الذين كانوا دعاة على بواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها؛ لذلك يقول أبوا قلابة -رحمه الله تعالى-: لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم فإني لا أمن أن يغمسوكم في ضلالهم، أو يلبسوا عليكم ما تعرفون. وكان الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يقول: أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم. نص ابن القيم -رحمه الله تعالى-، على أنه خالط هؤلاء هلاك بين، وسم قاتل فقال -رحمه الله تعالى- في بيان أقسام الناس من حيث المخالطة: ومن الناس من مخالطتهم هلاك كله ومخالطه بمنزله أكل السم، فإن اتفق لأكله ترياق ودواء وإلا فأحسن الله فيه العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثرهم الله، وهم أهل البدع والضلالة، انتهى كلامه -رحمه الله-. وقد كان السلف الصالح إذا رأوا الشاب في أول امره مع أهل السنة رجوه، وأن رأوه مع أهل البدع في ممشاه ومجلسه وصحبته، أيسوا من خيره ولم يرجوه، يقول الإمام أحمد -رحمه الله- : إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فرجه، وإذا رأيته مع أصحاب البدع فيأس من خيره، فإن الشاب على أول نشوئه. اللهم جانبنا الأهواء ، اللهم جانبنا الأهواء والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ثبتنا على الكتاب السنة، اللهم ثبتنا على الإسلام والسنة، اللهم ثبتنا على لا إله إلا الله، وتوفنا على لا إله إلا الله، واجعلنا من أهل كلمة لا إله إلا الله، اللهم اختم لنا بخير، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.