أشراط الساعة / الأشراط الصغرى 1
أشراط الساعة / الأشراط الصغرى 1
  | , 7585   |   طباعة الصفحة


العنوان: أشراط الساعة / الأشراط الصغرى 1 القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 18 محرم 1435هـ
   

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نعبده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:- فإن أصدق الحديثِ كلام الله، وخير الهدي هديُ محمد- صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد: عباد الله، إن من حكم الله البالغة أن أخفى عن عباده موعد قيام الساعة، فلم يُطلع عليه أحد من الخلق لا من الملائكة المقربين، ولا من النبيين والمرسلين، يقول -عز وجل-: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: 63]، وسئل جبريل عليه السلام محمدًا- صلى الله عليه وسلم-، فقال: ((ما المسؤول عنها بأعلم  من السائل)) فهذان خير الملائكة، وخير البشر لا يعلمان متى تقوم الساعة فما الظن بغيرهما من الخلق، وبهذا يعلم بطلان ما يدعيه المدعون ممن يسمون بعلماء الفلك، وعلم الأرض، بأن الذي بقي من عمر الدنيا كذا، وكذا من السنين فكل هذا قول على الله بلا علم، وتخرص بلا دليل. ومن رحمة الله تعالى، أن جعل للساعة علاماتٍ تدل على اقترابها، ودنو ميعادها حتى يستعد الناسُ للقاء الله، بالإيمان الصحيح، والعمل الصالح، فذلك هو زاد الأخرة، يقول -عز وجل-: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: 15]، ولم يقل: أخفيتها، فإنه أخفى وقت مجيئها، وأظهر اقتراب موعدها بما جعل لها من العلامات، يقول -عز وجل-: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ [محمد: 18]. ولنا وقفةٌ مع جملة من علامات الساعة الصغرى؛ لنعلم  قرب الساعة؛ ولنستعد لها: فأول علامات الساعة: بعثة النبي- صلى الله عليه وسلم-، فقد ثبت عنه قوله- صلى الله عليه وسلم-: ((بعثت أنا والساعة كهاتين، وقرن بين السبابة والوسطى)) رواه البخاري، فقرب بعثته من الساعة كقرب السبابة من الوسطى، فكما أنه لا أصبع بينهما، فكذلك ليس بينه وبين الساعة نبي يُبعث، هو خاتم الرسل والنبيين- صلى الله عليه وسلم-. ومن علامات الساعة: موته عليه الصلاة والسلام ، وفتح بيت المقدس، وقد حصل ذلك في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، روى البخاري في صحيحة عن عوف بن مالكٍ، قال: أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم، أي: من جلد فقال- صلى الله عليه وسلم-: ((أعدد ستًا بين يدي الساعة، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يُعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنةٌ لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر –أي: الروم- فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية –أي: راية-كل غاية اثنى عشر ألفا)). ومن علامتها: تضيع الأمانة بإسناد الأمر إلى غير أهله، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) رواه البخاري. ومن علامتها: ارتفاع شأن المفسدين في الأرض، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ((سيأتي عليكم على الناس سنوات خداعات، يُصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)) رواه أحمد، وابن ماجة، وحسنة الألباني. ومن علامتها عباد الله: ظهور الجهل، وقلة العلم، وانتشار الزنا، والربا، والخمور، وكل هذا نسأل الله العافية واقع ومتحقق، فعن أنس، قال: سمعت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حديثًا لا يحدثكم به غيري، قال: ((من أشراط الساعة، أن يظهر الجهل، ويقل العلم، ويظهر الزنا، وتشرب الخمر ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيمهن رجل واحد)) متفق عليه. وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ((بين يدي الساعة يظهر الربا، والزنا، والخمر)) رواه الطبراني، وصححه الألباني. ومن علاماتها الصغرى عباد الله: ظهور المعازف والغناء واستحلالها، فعن أبي مالك الأشعري، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرى)) أي: الفروج والزنا ((والحرير، والخمر والمعازف)) رواه البخاري، وزماننا هذا شاهدٌ حيٌ لهذا الحديث فالغناء في كل مكان، بل ألبسوا الغناء المظهر الإسلامي بما يسمونه بالأناشيد الإسلامية المليئة بالمعازف والدفوف والأصوات الفاتنة. ومن علاماتها عباد الله: أن تعود الجزيرة العربية مروجًا، وأنهارا كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند الإمام مسلم. عباد الله، ومن علاماتها كذلك: انشقاق القمر في زمانه عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: 1]، وكان سبب انشقاقه أن المشركين سألوا النبي- صلى الله عليه وسلم- آية تدل على صدق نبوته فشق الله لهم القمر، فقالوا: سحرنا محمد، ولا يُكذب بانشقاق القمر إلا الملاحدة، ومن تشبه بهم من أهل البدع والأهواء. ومن علامات الساعة عباد الله: ظهور عبادة الأوثان في كثير من الأمة، وارتدادهم على أعقابهم، قال البخاري في صحيحيه، باب تغير الزمان حتى يعبدوا الأوثان، ثم أخرج حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- ، قال: ((لا تقوم الساعة حتى تضرب آليات نساء دوس على ذي الخلصة)) قال: وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية. وعن ثوبان -رضي الله عنه-، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم انه نبي، وأنا خاتم النبين لا نبي بعدي)) رواه أبو داود، والترمذي، وقد وقع ما أخبر به النبي- صلى الله عليه وسلم-، وهو الصادق المصدوق، فزين الشيطان لكثير من الناس عبادة القبور والأضرحة، والأولياء ، والصالحين، وغيرهم باسم التوسل، وباسم محبة الصالحين، وباسم تعظيم النبي- صلى الله عليه وسلم-، فتجدُ من الناس من يستغيث بعلي والحسين، وعبد القادر، وزينب، والبدوي وغيرهم، ويذبحون لهم الذبائح، وينذرون لهم النذور، ويدعونهم سرًا وجهرًا، ويستعينون بهم، وهذا موجود إلى ساعتنا هذه. ومن علامات الساعة عباد الله: ظهور مدعي النبوة، فقد ثبت في الصحيح أنه لا تقوم الساعة حتى يُبعث، أي: يظهر دجالون كذابون، قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وقد ظهر جمعٌ ممن يدعي النبوة، ولعله سيخرج مستقبلًا من يزعم أنه نبي، فتكون من الآيات التي ظهر بعض أفرادها وبقي بعضها، وممن خرج قديما: مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، فهذان خرجا في أخر حياة النبي- صلى الله عليه وسلم-، وقضى الله على فتنتهم بأيدي جنود الحق وأنصاره، والحمد لله. والواجب على المسلم عباد الله، أن يعتقد اعتقادًا جازمًا أن محمدًا- صلى الله عليه وسلم- هو خاتم النبين كما قال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40]. عباد الله، ومن علامات الساعة: ظهور التبرج والسفور في النساء مصداقًا لقوله- صلى الله عليه وسلم- عن أحد الصنفين الذين لم يراهما في حياته: ((ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وأن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) رواه مسلم. إن من صور الكاسيات العاريات من تلبس ما يكشف عن أجزاء من بدنها، أو الشفاف الذي يشف عنما تحته، أو الضيق الذي يبين تقاطيع الجسم، وقد عظمت الفتنة في هذا الزمان بهذا الصنف من النساء، نسأل الله لنا ولكم العافية، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه من اتبع هداه، وأما بعد:- عباد الله، ومن علامات الساعة: كثرة القتل، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل))، وعنه -رضي الله عنه-، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قتل، ولا المقتول  فيما قتل، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج القاتل والمقتول في النار)) رواه مسلم. وقد وقع مصداق ما أخبر به النبي- صلى الله عليه وسلم-، فاستهان كثيرٌ من الناس بأمر الدماء، وجرأهم على ذلك ما تهيئ من الأسلحة التي تقتل العدد الكثير في الوقت الواحد، وما ساعدهم ما يقع في بعض البلاد من الاضطرابات والفوضى، وضعف الدين، والتكالب على الدنيا، والحكم كل ذلك رغبةً في هذه الدنيا فيقتلون إخوانهم المسلمين،  ويقتل بعضهم بعضًا. إن عامة هذه الفتن يا عباد الله، هي عقوبات من الله يُسلطها على من يشاء حين يخالفون عن أمره، ويتنكبون عن شريعته، ويكفرون بنعمته، فيذيقهم لباس الجوع والخوف  بما كانوا يصنعون، فمتى تابوا، وأنابوا وأصلحوا دينهم أصلح الله لهم حالهم، وبدلهم بعد خوفهم أمنا، ونحن في هذا المجتمع الآمن نذكر أنفسنا وإياكم بوجوب تقوى الله، والحفاظ على ما أنعم به علينا من النعم التي لا تعد ولا تحصى، ومن أجلها نعمة الأمن والطمأنينة واجتماع الكلمة، والحذر من أسباب تغيرها، وزوالها فليس بيننا وبين الله نسب، وإنما بيننا وبينه الوفاء بعهده ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة: 40]. اللهم إنا نسألك أن تعصمنا من الفتن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعن إخواننا في سوريا، اللهم أعن إخواننا في دمات اليمن، اللهم أعنهم وفرج عنهم يا رب العالمين، اللهم أعنهم وفرج عنهم يا رب العالمين. ربنا لا يؤخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا أتنا في الدنيا حسنة، وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.