أسباب الأمن والاستقرار
أسباب الأمن والاستقرار
  | , 7639   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: أسباب الأمن والاستقرار
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 1 جمادى الأولى عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، ففي خضم الفتن التي عصفت في بعض البلاد ولازالت، وأورثت أهلها الفرقة والاختلاف، والتنازع وسفك الدماء تكون الأمة أحوج ما تكون إلى الرجوع إلى كتاب ربها، وإلى سنُة نبيها –صلى الله عليه وسلم-، وإلى منهاج سلفها الصالح إذ في الكتاب والسنة العصمة من كل فتنة، والسلامة من كل هلكة. فنحن بحمد الله نعيش بنعمة الأمن والاستقرار، والآمان والاجتماع في الوقت الذي حرمت منه بعض تلك البلدان هذه النعمة فصار بأس أهلها بينها نزاعًا وشقاقًا، وفرقةً واختلافًا، ونهبًا وقتلاً وتدميرًا وإجرامًا. إننا نعيش في نعمةٍ عظيمة تستوجب علينا أن نحافظ عليها؛ لأننا إن كفرنا بها سُلِبت منا، ثم لا تعود إلينا. ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم:7]. ومن أهم أسباب الاستقرار، والأمن والآمان: الالتزام بطاعة الله –تعالى-، والبعد عن الذنوب والمعاصي. فكم أهلكت الذنوب من الأمم؟ وكم غيرت من البلدان؟ وكم غيرت من الأوطان من أمنٍ وآمان إلى هلاكٍ ودمارٍ وطوفان؟ قال –عزَّ وجلّ-: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ [العنكبوت:40]، وقال –سبحانه-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]. إن شكر نعمة الله –عزَّ وجلّ- على الأمن والتحرير والاستقرار وغير ذلك من النعم لا يكون بالحفلات والغناء، والرقص والإسراف والتبذير إنما بالطاعة، والاتجاه إلى الله بشكره –عزَّ وجلّ- باللسان وبالقلب، وبالأعمال والجوارح. عباد الله، من أهم أسباب هذا الأمن والاجتماع هو وفاءنا لولي أمرنا بالسمع والطاعة له في المعروف، والبعد عن كل ما يسبب الفتنة، وشق عصا الجماعة، وهذا واجبٌ دينيٌ أكيد أمر الله –عزَّ وجلّ- به في كتابه فقال -سبحانه-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[النساء:59]. وأمر به النبي –صلى الله عليه وسلم- في عشرات الأحاديث، ومنها ما جاء في حديث عبادة قال –رضي الله تعالى عنه-: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ". فمتى استقامت الرعية لولي أمرها بالسمع والطاعة؛ نعمت بنعمة الأمن والاستقرار، ومتى ما تسللت إليها دعوات الفتنة؛ دب إليها الضعف واشتعل فيها الفتن فتهدم بنيانها، وتصدع أركانها، وتقطع أوصالها، وتذهب سعادتها وأمنها واستقرارها. عباد الله، تأملوا ما أنتم فيه من نعمة الأمن والاستقرار، وتأملوا حال البلاد التي سُلبت هذه النعمة، كيف يعيش أهلها؟! تأملوا ماذا استفادت من تمردها وخروجها عن حكوماتها؟ لقد كانوا يشتكون ظلمًا وأثرةً ونقصًا في أمور دينهم ودنياهم لكنهم الآن يتمنون العودة إلى استقرار الأوضاع، واجتماع الكلمة. وقد نص عددٌ من أئمة الإسلام قديمًا وحديثًا على أن فتنة الخروج على الحكام لا تخلف إلا حسرةً وندامة، أفلا يتعظ ويعتبر دعاة الفتنة والفرقة؟ أفلا يتعظون بالدمار والخراب؟ عباد الله، إن من أعظم أسباب الأمن والاستقرار هو معرفة الطريقة الشرعية في مناصحة الحاكم، وذلك أن الحاكم هو من أفراد البشر، وآحادهم يخطئ ويظلم ويهضم ويذل، والشرع لا يقر الخطأ بل هو محاسبٌ أمام الله عن ظلمه ومعصيته كغيره من المكلفين، كذلك الشرع الحنيف لا يقول للناس: دعوا ولي أمركم، فلا تأمروه بمعروف، ولا تنهوه عن منكر بل الشرع يأمر بمناصحته، ويؤكد عليها لكنَّ صلاح الراعي وصلاح الرعية كله مرتبطٌ بعضه ببعض فصلاح الراعي صلاحٌ للرعية، وفساد الراعي فسادٌ للرعية لكنه يأمر بأن تكون نصيحته بطريقةٍ لا تسبب فتنةً وفسادًا واختلافًا، ولا تسبب إسقاط هيبته ومنزلته، ولا تسبب ضعفه وفت عضده ألا وهي الطريقة السرية كما قال انصح الناس نبينا -صلى الله عليه وسلم- «من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يبدها علانية، وليأخذ بيده وليخلو به، فإن قبلها قبلها، وإن ردها لقد أدى الذي عليه». أما المناصحة ومحاولة الإصلاح بالمظاهرات والمسيرات، والاعتصامات والإضرابات فليست من الدين في شيءٍ، وليست من النصيحة في شيء. فعلى المسلمين أن يحذروا مثل هذه المناهج لما يترتب عليها من الإثم، ولما يترتب عليها من المواجهات وسفك الدماء وتدمير الممتلكات، ولما يترتب عليها من تهيئة الجو لقوى الشر والفساد الخارجية؛ لمحاولة التدخل والتأثير وفرض التغيير فنندم بعد ذلك على ما فرطنا، وعلى ما فتحنا من أبواب الشرور والفتن، ولا نصغي بآذاننا إلى دعاة الفتن والابتداع الذين يجتهدون في نشر الفوضى والنزاع لمآرب سياسية وأغراضٍ دنيوية، ويزعمون أنهم للمنكر ناهون وللمعروف آمرون، يقول ابن النحاس –رحمه الله تعالى-: "فإذا كان المنكر من السلطان فليس لأحدٍ منعه بالقهر باليد، ولا أن يشهر عليه سلاحًا، أو يجمع عليه أعوانا؛ لأن ذلك تحريكٌ للفتن، وتهييجٌ للشر، وإذهابٌ لهيبة السلطان من قلوب الرعية، وربما أدى إلى تجرئتهم على الخروج عليه وتخريب البلاد، وغير ذلك مما لا يخفى". انتهى كلامه -رحمه الله-. فأين هؤلاء من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- الذي رواه مسلمٌ في صحيحه قال –عليه الصلاة والسلام-: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتةٌ جاهلية». وفي الصحيحين عن ابن عباسٍ –رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من رأى من أميره شيءٌ يكره فليصبر عليه فإن ليس أحدٌ من الناس يخرج عن السلطان شبرًا فمات عليه، إلا مات ميتةً جاهلية»، وعن فضالة بن عبيدٍ –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثَلاثَةٌ لا تَسْأَلْ من هم أو لا تسال عَنْهم: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَعَصَى إِمَامَهُ، وَمَاتَ عَاصِيًا، عَبْدٌ أَبَقَ فَمَاتَ، وامْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، يكفيها زوجها فَتَبَرَّجَتْ مِنْ بَعدَهُ». وعن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من نزع يدًا من طاعة لم يكن له يوم القيامة حُجَّة». وعن أنسٍ -رضي الله عنه- قال: "نهانا كبراءنا من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- قالوا: لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تغبضوهم، واتقوا الله، واصبروا؛ فإن الأمر قريب". بهذا يتبين أن الخروج عن طاعة ولي الأمر، والافتيات عليه معصيةٌ ومشاقةٌ لله ولرسوله، ومخالفةٌ لما عليه أهل السنة والجماعة وهو من أعظم أسباب ذهاب الأمن والاستقرار، يقول الإمام البربهاري –رحمه الله تعالى- وهو من علماء السلف يقول: "إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعوا للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحب سُنةٍ -إن شاء الله-". فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنكم محسودون في هذه البلاد المباركة التي وهبها الله خيراتٍ عظيمة من نعمة الأمن والإيمان، واحذروا -رحمكم الله- من دعوات المغرضين، ومن شعارات الحزبين. أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، لما كان للاستقرار والأمن هذه الأهمية البالغة في صلاح أحوال الناس، واستقامة دينهم ودنياهم جاءت الشريعة الربانية تدعو إلى كل ما يؤدي إلى الاستقرار وتُرغب فيه، وتقطع كل طريقٍ تؤدي إلى الفوضى والاضطراب، وتنهى عنها وتمنع منها وكان هذا أصلًا متينًا دلَّ عليه القرآن والسنة في تشريعاتٍ متنوعة. فمن تلك التشريعات التي تؤدي إلى إدامة الأمن واستقراره: الأمر بالاجتماع، والنهي عن الاختلاف؛ لأن الاختلاف ربما أدى إلى الفتنة والقتال فيزول الاستقرار. يقول الله –سبحانه وتعالى-: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103]. ومن التشريعات كذلك: مجانبة الفتن وأهلها، والحذر من مسالبها كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: «إن السعيد لمن جنِّب الفتن، إن السعيد لمن جنِّب الفتن، إن السعيد لمن جُنِّب الفتن، ولمن ابتلي فصبر». ومن التشريعات كذلك: الأمر بلزوم الجماعة، والنهي عن شق عصا الطاعة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخبر عن زمن استحكام الفتن وكثرتها، وكثرة الدعاة إلى نار جهنم سأله حذيفة –رضي الله تعالى عنه- عما يفعله إن أدركه ذلك فقال –عليه الصلاة والسلام-: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، وأمر -صلى الله عليه وسلم- بالصبر على الظلم والأثرة، ومدافعة المنكرات بالنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال –عليه الصلاة والسلام-: «إنكم سترون بعدي أثرة، وأمور» أي: استئثارٌ بالأموال والحقوق، وظلمٌ للرعية، قال: «إنكم سترون بعدي أثرة، وأمورٌ تنكرونها. قالوا: فما تأمرونا يا رسول الله؟ فقال –عليه الصلاة والسلام-: أدوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم». عباد الله، إنه حفاظًا على الاستقرار الذي ننعم به في هذه البلاد، وشكرًا لله على هذه النعمة، يجب علينا التواصي بتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية أو المصالح الحزبية، وحث الجميع على بذل مزيدٍ من العمل والجهد، وعدم الانصياع إلى الدعوات التي قد تكون سببًا في النيل من استقرارنا، أو من النعم التي ننعم بها. ولا شك أن في ذلك: - تجنيب البلاد فتنًا عصفت بكثيرٍ من البلاد التي استسلمت لهذه الظواهر التي أُخذت من الغرب الكافر. - وفيها أيضًا: تفويت الفرصة على المغرضين أو الحاقدين الذين يبثون سموم الفرقة والاختلاف بين فئات المجتمع؛ ليشتتوا جهودنا، ويكسروا شوكتنا، ويفرقوا صفوفنا. إن الاجتماع على قلب رجلٍ واحد في الأزمات، والوقوف خلف العلماء الكبار، والمصلحين الكبار ضرورةٌ شرعية لاسيما عندما تتدفق الريبة، وعدم الاطمئنان إلى بعض القلوب والأصوات. وعلى الجميع الاتصال برب الأرض والسموات، ونسأله –عزَّ وجلّ- أن يجنبنا وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنَّا نسألك الثبات على التوحيد والسنة إلى الممات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم إنَّا نسألك الأمن والاستقرار في أوطاننا، اللهم ارجع بلاد المسلمين إلى العزة والأمن والاستقرار، اللهم ارحم ضعف إخواننا في سوريا يا رب العالمين، اللهم فرج عنهم يا رب العالمين اللهم فرج عنهم يا رب العالمين. ربنا اغفر لنا ولوالدينا، وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.