أحكام رجب والتحذير من المحدثات
أحكام رجب والتحذير من المحدثات
  | , 6452   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: أحكام رجب والتحذير من المحدثات
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة ألقاها 1 رجب عام 1437هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،، عباد الله، إنَّ الله تعالى أمرنا، بإتباع رسوله، وسلوك سبيله، وأمرنا بالإتباع، ونهانا عن الابتداع، فقال -سبحانه وتعالى-: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ [الأعراف:3]. وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم-، يُحَذِّرُ من البِدَعِ فيقول: «وإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُور، فإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَة». عباد الله، اعلموا، أن البدع والمحدثات في الدين، أصلُ كل بلاءٍ وفتنة، وأن الشيطان يحرص كل الحرص، على صَدِّ الناس عن الدين الصحيح، فإن رأى منهم عدم رغبةٍ في الدين، شجعهم على ذلك، وزَيَّنَ لهم المعاصي والشهوات، وفتح لهم أبواب الشُبُهَات، وإن رأى منهم، محبةً للدين، أدخل عليهم من البدع والزيادات، ما يُفسده عليهم، فتنبهوا لذلك، واعلموا أن الشريعة جاءت كاملة، لا تحتمل الزيادة والنقصان؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3]، فلا مكان للبدعة في دين الله. يقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "من ابتدع في الإسلام بدعة، يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3]، فما لم يكن يومئذٍ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا". إن المُبْتَدِع مُعانِدٌ لله، مشاقٌ له؛ لأن الله حدد الطُرق الموصلة إلى الخير وحصرها، وهذا المبتدع، يريد أن يزيد عليها أو يُنْقِصَ منها، فجعل نفسه شريكًا لله في تشريعه، وكفى بذلك ضلًالا وإثمًا مبينا، والله أمر بإتباع ما شرعه، فأبَى المبتدع، فأبى المبتدع ذلك، واتبع هواه بغير هُدًى من الله. عباد الله، لما كثرت وسائل النقل المعلوماتية، وتسهلت وانتشرت، أصبح الناس ينقلون لغيرهم، ما يصل إليهم، من غير تأكد من المعلومة وصحت الخبر والحديث، مع اجتهاد أهل البدع، في نشر بدعهم، واستغلال مثل هذه الغفلة من المسلمين، فوجب التنبيه على تلك البدع في أوقاتها؛ حتى يكون المسلم على بصيرةٍ من دينه، ومن هذه البِدَع: ما يُفْعَلُ في شهر رجب، الذي نحن في أوله، من العادات الجاهلية، والأمور البدعية، التي يزعم مرتكبوها، أن لشهرِ رجبٍ، خاصيةً على غيره، وليس الأمر كذلك، فإن شهر رجبٍ، أحد الأشهر الحُرُم، ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، في فضل رجب حديثٌ، بل عامة الأحاديث المأثورة فيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلها كَذِب. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وقد أَحْدَث الناس في هذا الشهر، عباداتٍ لم يشرعها الله ولا رسوله، من ذلك تعظيمُ أول خميسٍ منه، وليلةِ أولِ جمعةٍ منه، فإن تعظيم هذا اليوم، وتلك الليلة من رجب، إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة، والحديث المرويُ في ذلك كَذِبٌ، باتفاق العلماء، ولا يجوز تعظيم هذا اليوم؛ لأنه مثل غيره من الأيام". ويقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: "فأما الصلاة، فلم يصح في شهر رجبٍ، صلاةٌ مخصوصةٌ تختصُ به، والأحاديث المروية، في فضل صلاة الرغائب، في أول ليلة جمعةٍ من شهر رجبٍ، كَذِبٌ وباطلٌ لا يصح، وهذه الصلاة، بدعةٌ عند جمهور العلماء-قال:-وأما الصيام، فلم يصح في فضل صوم رجب، بخصوصه شيءٌ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه". وروي عن عمر -رضي الله عنه-: أنه كان يَضرب أَكُفَ الرجال في صوم رجب، حتى يضعوها في الطعام، ويقول: "ما رجب؟ إن رجبًا كان يُعظِّمُهُ أهل الجاهلية، فلما كان الإسلام تُرِك". وفي روايةٍ: كَرِهَ أن يكون صيامه سُنَّة. ومن البدع المُنْكَرَة، التي تُفْعَل في هذا الشهر: بدعةُ الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، في الليلة السابعة والعشرين منه، يحتفلون في تلك الليلة، ويخصصونها بأنواعٍ من العبادات، ما أنزل الله عز وجل بها من سلطان، فيخُصُون تلك الليلة، بأذكارٍ وأدعيةٍ وصلاة، وتخصيصُ، تلك الليلة خطأٌ من عدة وجوه: أولًا: أن الإسراء لم يَقُمْ، دليلٌ على تعيين ليلته التي وقع فيها، ولا على الشهر الذي وقع فيه، فالعلماء مختلفون في زمانه، فتخصيصُ ليلةٍ من الليالي في رجب، أو غيره للإسراء تخصيصٌ لا دليل عليه. وثانيًا: لو ثبت تعيين الليلة التي وقع فيها الإسراء، لم يَجُزْ لنا أن نُخصص تلك الليلة، بشيءٍ لم يشرعه الله، ولا رسوله، فإنه لم يرد، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، احتفل في تلك الليلة، ولا خصها بشيءٍ من العبادات، ولم يفعل ذلك خلفاؤه الراشدون، من بعده ولا صحابته الكرام، ولا التابعون لهم بإحسان، فلا يجوز لأحدٍ بعدهم، أن يُحْدِثَ في الإسلام شيئًا لم يفعلوه. وثالثًا: أنه يُفْعَلُ في تلك الليلة، وفي ذلك الاحتفال، أمورٌ منكرة، كالاجتماع في المساجد وتخصيص ذلك، وإيقاد الشموع والمصابيح فيها، وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك إلى أن قال: وما أحسن سيرَ السلف الصالح فإنهم كانوا شديدي المداومة على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لايخرجون عن الثابت قِـيد شعرة ويعتقدون الخروج عنه ضلالة لا سيما عصر الصحابة ومن بعدهم أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير، ومن العجيب، أن بعضًا من هؤلاء، الذين يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج، أو كثيرًا منهم، لا يهتمون بما شُرِعَ فيه من الصلوات الخمس، فبعضهم لا يصلي أبدا، وبعضهم لا يحضر صلاة الجماعة في المسجد، وإنما ينشط في البدع، ويكسل عن السنن والواجبات، ولا يحافظ على الجُمَعِ والجماعات. عباد الله، إن البدع، مع أنها حدثٌ في الدين، وتغيير للملة، فهي آثارٌ وأغلالٌ، تُضاع فيها أوقات، وتُنفق فيها أموال، وتُـتعب فيها أجسام، وتُبْعِدُ من الجنة، وتُقَرِّبُ من النار، وتوجب سخط الله ومقتهُ، ولكن أهل الغي والضلال، لا يفقهون، وفي طغيانهم يعمهون، لا يزيدهم عملهم، لا يزيدهم عملهم عن الله، إلا بُعْدًا، ولا اجتهادهم وتعبهم، إلا مقتًا وَرَدًا. يقول عز وجل وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ (6) لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ (7). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.    
  • الخطبة الثانية:
  الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله، لقد حذر السلف الصالح، من الابتداع في الدين غاية التحذير؛ لعلمهم بخطورة هذا الأمر، وأن البِدع والمبتدعة، من أسباب هلاك الناس؛ لأن البدعة تجرُ إلى أختها، فيصبح المسلم، يتقلب بين الأهواء والبدع والضلالات، والمذاهب المنحرفة، والأحزاب الضالة، بل قد يصل به الأمر، إلى تكفير المسلمين وقتالهم، كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف:5]. واسمع معي إلى هذا الأثر العظيم، الذي يُبَيِن فيه الصحابة، خطورة البدع، وما تجرُ إليه، فقد روى الدارمي وغيره: قال حدثنا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ قال حدثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ-، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بعدُ؟ قُلْنَا: لَا، فَجَلَسَ مَعَنَا، حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا، أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ، وَلَمْ أَرَ -وَالْحَمْدُ لِلَّهِ- إِلَّا خَيْرًا، قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا، جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ، فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا، انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ، قَالَ: أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ، أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ، حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ، قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُم، هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ، هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ، قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَأيْمُ اللَّهِ، مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ، يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ". فمن فوائد هذا الأثر: أن هؤلاء تساهلوا في بدعةٍ، في نظرهم أنها خيرٌ وفعلٌ حسن، وما علموا أنها تجرهم إلى أن أصبحوا، يُقاتلون الصحابة، ويكفرونهم في معركة النهروان مع الخوارج. وفيه: أن على المسلم، ألا ينشر كل ما يراه في نظره حسنا، دون الرجوع إلى أهل العلم وسؤالهم، حتى تظهر له السنة من البدعة. وفيه: أن الابتداع فيه، وفيه أن الابتداع فيه إدعاءُ نقص الدين، وأن صغار البدع تجر إلى كبارها، ألا ترى أن أصحاب تلك الحلقات، صاروا بعد من الخوارج، الذين قتلهم الخليفة الراشد، عليُ بن أبي طالبٍ -فهل من مُعْتَبِر؟-. وفيه: أن كل بدعةٍ ضلالة، فليس في الدين بدعةٌ حسنة، فليس بالدين بدعة حسنةٌ، بل كلها سيئةٌ وضلالة. وفيه: أن العبرة، ليست بكثرة العبادة، وإنما بكونها على السُنة، بعيدةٌ عن البدعة، وقد أشار إلى هذا ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- بقوله -أيضًا-: "اقْتِصَادٌ فِي سُنَّةٍ، خَيْرٌ مِنَ اجْتِهَادٍ فِي بِدْعَةٍ". اللهم ثبتنا على دينك. اللهم ثبتنا على الإسلام والسُنَّة يارب العالمين. اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك. اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك وحسن عبادك. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.