قصة نبي الله صالح وقومه
قصة نبي الله صالح وقومه
  | , 5224   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: قصة نبي الله صالح وقومه.
  • ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 21 محرم 1433.

خطبة بعنوان ( قصة نبي الله صالح وقومه ). الخطبة الأولى: إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أما بعد: عباد الله  فإن الله تعالى يقص علينا في كتابه قصص الأمم الخالية حين يرسل إليهم فيؤمن به بعضهم، ويكفر به أكثرهم، ثم تكون العاقبة أن يهلك الله الكافرين، وينجي المؤمنين ليكون لنا فيهم عظة وعبرة، والسعيد من وعظ بغيره، فلا نفعل مثل ما فعل من كذب وأعرض وعادى الله ورسوله، فتكون عاقبته إلى الخسارة والندامة، ولكن نكون كأولئك الذين آمنوا وصدقوا وصبروا وثبتوا حتى أتاهم وعد ربهم، الذي لا خلف من لنصر والتأييد، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. ومن القصص التي تكرر ذكرها في كتاب الله قصة قوم صالح، وذلك أن الله تعالى أرسل إلى ثمود وهم عاد الثانية الذين كانوا يسكنون الحجر المعروفة بمدائن صالح، ولا تزال مساكنهم قائمة إلى يومنا هذا وهي التي مر بها النبي –صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، ونهى أصحابه أن يدخلوا بيوتهم،  ونهاهم عن استعمال مياه آبارهم إلا مياه البئر التي كانت تردها الناقة كما ثبت في الصحيحين. وكانت ثمود قد جاءت بعد هلاك عاد الأولى الذين كانوا يسكنون الأحقاف وقوي سلطانهم، وعظم شأنهم، وأغدق الله عليهم النعم، فكانوا في بيوت عالية، وجنات مثمرة، وعيون متفجرة، ونخيلٍ باسقة مثمرة، وأمنٍ ظلاله وارفه كما قال تعالى في شأنهم: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ، وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾[الشعراء149:146] فلما كفروا وجحدوا وعبدوا مع الله إلهًا آخر، تلك الجريمة التي هي أعظم الجرائم، والذنب الذي ليس بعده ذنب أن تعبد مع الله إلهًا آخر، من قبر أو شجر، أو حجر، أو ملك، أو نبي، أو ولي، أو سيد تدعوه وتستغيث به، وتطلب منه الشفاعة عند الله، وتذبح له وتنذر له ذلك هو أعظم ذنب على الإطلاق. قال –صلى الله عليه وسلم- لما سئل أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك» فأرسل إليهم سبحانه عبده ورسوله صالحًا لتقوم به الحجة عليهم، وتنقطع به المعذرة منهم كما قال تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾[النساء:165]، وقد اختار الله صالحًا اختيارًا، فاصطفاه وأحسن نباته وأدبه قبل أن يوحي إليه، حتى عرف بين قومه بالفضل والكمال، ولذا قالوا بعد ما أرسل: ﴿قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا﴾[هود:62]، فلما بعث أتى قومه وأعلن فيهم بما أرسل به، قال –عز وجل-: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:73] هذه هي دعوة كل الرسل دون استثناء ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:73]، جاءوا يدعون الناس إلى عبادة الله وحده، والبراءة من عبادة من سواه، هذه هي دعوة النبيين التي قابلتاه الأمم بالتكذيب إلا من رحم الله، وهي الدعوة التي زهد فيها كثير من الدعاة أفرادًا وأحزابًا، بل يقابلونها بالسخرية والاستخفاف والتكذيب والتضليل، ولذا كثر في الناس من يتوجه إلى غير الله بالعبادة، لكن باسم التوسل بالصالحين، ومحبة الأولياء والمتقين، وإننا نعلم أنهم لا يملكون، ويقولون: أننا نعلم أنهم لا يملكون شيءً، ولكن يدعونهم ليكونوا وسطاء بينهم وبين الله، وهذا هو عين ما وقع فيه أولئك المكذبون للرسل إذ قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]. ومن حكمة الله تعالى أنه يؤيد رسله بالبينات والآيات الظاهرات التي لا يقدر عليها بشر حتى تكون حتى تكون دليلًا على صدق نبوتهم، وحجة على رسالتهم أنهم مؤيدون من الله تعالى، وكانت آية صالح –عليه السلام- الناقة الشريفة العظيمة التي أضافها إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم فقال: ﴿ْهَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ﴾[الأعراف:73]. وفي إخبار بني إسرائيل أن الله أخرجها لهم من بطن صخرة والعلم عند الله تعالى، وقال لهم صالح: ﴿لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾[الشعراء:155] أي ترد البئر يومًا خالصًا لها، فإذا شربت منه حلبوها وشربوا من لبنها، وفي اليوم الثاني يكون ورد البئر لهم، ولدوابهم ونبههم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر. وأمرهم صالح بأن يذروها تأكل في أرض الله، ونهاهم عن قتلها، أو مسها بسوء كما قال –عز وجل-: ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[الأعراف:73]. ومع ما جاءهم به من الحجج والبينات ومع ظهور الحق فيما يدعوهم إليه إلا أنهم أبوا أن يقادوا للحق إلا قليلًا منهم، بل قابلوهم بالجهل والظلم، فقالوا له: ﴿أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾[هود:62]. لقد علموا أن صالحًا لا يدعوهم إلا إلى أن يعبدوا الله وحده، ويذروا عبادة غيره مما كانوا يعبدون هم وآباؤهم من قبل من الأصنام والأوثان، ولم يكن لهم حجة على عبادتهم للأوثان إلا أنهم وجدوا آباءهم يعبدونها، فهم يعبدونها كذلك. هم يعلمون أنها لا تخلق، ولا ترزق، ولا تحيي ولا تميت، ولا تنفع ولا تضر، بل ذلك بيد الله وحده، لكنهم يعبدونها لأنهم وجدوا آباءهم يعبدونها، وهكذا يعمي التعصب للآباء والمشايخ والطرق والبلدان قلوب المتعصبين، فلا ترى الحق وهو أمام أعينها كالشمس، ولم يمنع ذلك الإباء والعناد والاستكبار صالحًا من الاستمرار في الدعوة والتذكير والنصح فكان يذكرهم بنعم الله عليهم لعلهم يشكرون الله فيعبدونه وحده، وكان يذرهم بمن هلك قبلهم من الأمم التي كذبت الرسل لعلهم يتعظون، فيقلعون عن تكذيبهم، ولكن ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾[النور:40] ركبوا رؤوسهم وأصروا واستكبروا استكبارًا، فما آمن بصالح بعد ذلك الجهاد العظيم إلا قليل من المستضعفين من قومه ممن ليس لهم مناصب، ولا رئاسة ولا مال في قومهم، وهكذا هم غالب أتباع الرسل. وفي هذا درس لمن اتعظ أن الميزان في نجاح دعوة الداعي هو استقامته في دعوته على الحق الذي جاء الله به، وبينه رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وليس الميزان كثرة الأتباع والجماهير، أو بلوغ المناصب القيادية والاستيلاء على زمام الأمور. وفي الحديث الصحيح ان النبي يأتي يوم القيامة وليس معه إلا الرجل، ويأتي النبي ومعه الرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد، فلا يصلح أن يستفاد من قلة الأتباع، أو ضعف الأتباع بطلان الدعوة، وفساد الداعي. ولما طال بهم الأمد، وضاقت أنفسهم من دعوة صالح ومن الناقة، تمالا أعداء الله على قتله، وقتل أهله، وعلى عقر الناقة، فأما الناقة فعقروها فقام إليها أشقاهم فقتلها، وأما صالح، وأما صالح وأهله فنجاهم الله منهم، وأدار الدائرة عليهم فلما عقروها أخبرهم صالح بأنهم سيتمتعون في ديورهم ثلاثة أيام، ثم يأتيهم العذاب المستأصل، قال: ﴿فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾[هود:65]. وتخيلوا كيف هو حال من ينتظر العذاب المتحقق من الله تعالى بعد ثلاثة أيام، فلما انقضت الأيام ثلاثًا، جاءهم العذاب العظيم، وتحقق الوعد والنصر، ونصر الله أولياءه، وأهلك أعداءه، فجاءهم العذاب من فوقهم، فجاءهم العذاب من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، فرجفت بهم الأرض رجفًا عظيمًا، وجاءتهم صيحة عظيمة عند الصباح فهلكوا عن آخرهم فهم على ركبهم جاثين وعلى وجوههم جاثمين، والعياذ بالله. يقول –عز وجل-: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾[العنكبوت:37]، وقال –عز وجل-: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾[هود:67] فلم تغنِ عنهم قصورهم، ولا جناتهم، ولا أجسادهم، ولا آباؤهم من عذاب الله شيئا، وقال لهم صالح بعد ما هلكوا وهم جثث هامدة ﴿يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾[الأعراف:79]. نعوذ بالله من غضبه وسخطه، ونعوذ به من رد الحق جهلاً وظلمًا، ونسأله سبحانه التوفيق لما يرضيه عنها، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: عباد الله فتلك قصة قوم صالح –عليه السلام- وما ذكرها الله لنا للتسلية والأنس، وإنما لنتعظ بما فيها، ونعتبر بمعانيها، وخلاصة عظتها أن من آمن واتقى وعمل صالحًا وأطاع الله ورسوله كان من الفائزين برحمة الله ورضوانه، الناجين من سخطه وعقابه، نسأل الله من فضله، ومن ظلم وعصى الله ورسوله كان من الخاسرين، الخاسرين المستحقين للعذاب والعقوبات العاجلة والآجلة، نعوذ بالله من حال أهل النار. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.