خطر الغلو والتطرف في الدين على شباب المسلمين
خطر الغلو والتطرف في الدين على شباب المسلمين
  | , 5758   |   طباعة الصفحة


  • خطبة جمعة : خطر الغلو والتطرف في الدين على شباب المسلمين.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة في يوم 15 ربيع الثاني - عام 1438هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، إن الله تعالى ﴿أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّين[التوبة:33]، وجعل دينه دينًا وسطًا خِيرًا بين الأمم والأديان ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:143]، وخصَّ هذا الدين بالسماحة والرفق واليسر في أصوله وشرائعه وآدابه، وأمر الناس بسلوك منهج الصالحين سبيل الحق الواضح المبين بلا إفراطٍ ولا تفريط، ونهاهم عن الغلو في الدين، كما نهى الأمم السابقة فقال -سبحانه وتعالى- لأهل الكتاب وهو لهم ولغيرهم ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ﴾ [المائدة:77]. ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته عن التشدد التنطع والتشدد، فعن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هلك المتنطعون»، قالها -ثلاثًا-. رواه مسلم. والتنطع: هو التكلف في العمل ما لا يطيق حتى يخرج به عن العدل والوسط. والغلو: هو مجاوزة الحد في فهم الدين وتطبيقه. وهذه السمات هي سمات التطرف الذي يسلك فيه الغالي مسلكًا خطيرًا في فهم النصوص الشرعية والسنن النبوية ويتكلف عند العمل حتى يتجاوز الحد. وهذا من مداخل الشيطان وخطواتها؛ ليفتن الناس عن دينهم، ويصدهم عن سبيل الله حتى رأينا اليوم من شباب الإسلام من فتنه الشيطان وغرَّه فهم القاصر والناقص للدين فغلى في فهمه وتطبيقه فلم يقبل رشدًا، ولم يسمع نصحًا، ولم يرجع للراسخين في العلم فصرفه ذلك عن الحق والعدل، وطاعة الله –سبحانه وتعالى-. وقد حصل في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- نوع غلوٍ إلا أنه -عليه الصلاة والسلام- عالجه وواجهه بالنصح والتوجيه ثم بالتحذير والتخويف، ففي الصحيحين عن أنس بن مالكٍ -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، أي: عدوها قليلة، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال آخر: أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أمَا والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له! لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني». فعلى شبابنا اليوم، وعلى كل من غرَّه وفتنه الشيطان، ورفقاء السوء والهوى بفتنة التطرف والغلو والخروج أن يستمعوا إلى نصح العلماء الربانيين، وتوجيه الفضلاء المخلصين، والعقلاء المتزنين فدين الله تعالى يسرٌ في كل تشريعاته وأحكامه وآدابه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الدين يسرٌ ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه». عباد الله، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان حريصًا على توجيه أمته ونصحها، فشدد في تحذيرها من خطر التطرف والغلو حتى لا تقع فيه كما وقعت الأمم السابقة. قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تُشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم؛ فإن قومًا شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار». وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (غداة جمعٍ) أي: يوم مزدلفة-: «هَلُمَّ الْقُطْ»، (أي: حصى الجمار)، فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُن حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: «نَعَمْ، بِمْثلِ هَؤُلَاءِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ! فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ». يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وهذا عامٌّ في جميع أنواع الغلو، في الاعتقادات والأعمال". فمواجهة التطرف واجبٌ علينا جميعًا أفرادًا وجماعات، ومراكز ومؤسسات والتحذير من خطره حتى لا نرى ما حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- واقعًا في مجتمعاتنا. فقد رأينا بعضهم قد حمله التطرف والغلو على أن يُكَّفر المسلمين، ويستبيح قتلهم وسلبهم، والتعدي عليهم باسم الدين وسلكوا مسلك الخوارج المارقين. فأين ذهبت عقول هؤلاء؟ وأي دينٍ هذا الذي يبيح قتل الأنفس المعصومة، وإزهاق الدماء المحرمة، وإلحاق الأذى بالآخرين؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: «من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدٍ عهده فليس مني، ولست منه»، وهذه الأعمال من أشر البدع التي ظهرت في الأمة، ومن المحدثات المردودة على أصحابها، قال-عليه الصلاة والسلام-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه أو ما ليس منه فهو رد»، أي: مردودٌ على صاحبه. وكان سلف الأمة -كذلك- يحذرون من التطرف والغلو، فعن ابن مسعودٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: "تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله. ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع! وعليكم بالعتيق" وهو ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم-. نسأل الله -عزَّ وجلَّ- الهداية والرشاد لشبابنا وأبنائنا، وأن يديم أمننا ويقوي إيماننا، ويحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، إن من أسباب الغلو والتطرف قلة العلم الشرعي الصحيح القائم على الدليل، وفشوا الجهل به، والاعتداد بالنفس، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه، وتقديس الأشخاص، وعدم الرجوع إلى العلماء الربانين الراسخين في العلم، الوارثين العلم كابرًا عن كابر، والاغترار بما يكتبه ويقوله أهل الأهواء والفتن والمجاهيل، ويدعون إليه عبر وسائل التواصل، واستغلالهم عاطفة وحماس شبابنا نحو قضايا الأمة والإسلام فينتهي بهم الأمر إلى إشاعة الفوضى والفتن، والمظاهرات والثورات، والتفجيرات والقتل والتدمير، والقتل في بلاد المسلمين فيذهب الأمن والأمان، وينتشر الفساد والدمار، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء؛ فصار الأكابر -رضي الله عنهم- عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها، وهذا شأن الفتن كما قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25]، وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله -عزَّ وجلَّ-" انتهى كلامه -رحمه الله-. لذا؛ حذَّر نبينا -صلى الله عليه وسلم- من ذلك، فقال في وصف الخوارج الذين هم أول الغلاة ظهورًا في الإسلام: «يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان» فهؤلاء عندهم كل من لم يوافقهم فهو كافرٌ حلال الدم. قال أبو قلابة -رحمه الله تعالى-: "ما ابتدع رجلٌ بدعةً قط إلا استحل السيف". فاليوم، أصبح من مظاهر التطرف والغلو: تكفير المجتمعات الإسلامية، والقيام بالأعمال التفجيرية والتخريبية والإرهابية للنفوس المعصومة والمسالمة، والخروج على حكام المسلمين. فالتطرف من كيد الشيطان، وهو خطرٌ على البلاد والعباد. فاحذروا -عباد الله- من التطرف ووسائله الذي هو نتاج الأفهام السقيمة، وإتباع الهوى، والتعاون مع الأعداء وكل ذلك من كيد الشيطان وخطواته، يقول -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[البقرة:168]. اللهم إنَّا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد. اللهم ارضَّ عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وعن ثائر الصحابة أجمعين يا رب العالمين. اللهم إنَّا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنَّا عذاب النار، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.