ختام شهر رمضان
ختام شهر رمضان
  | ,, 5924   |   طباعة الصفحة


  • خطبة الجمعة : ختام شهر رمضان.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة في يوم 28 رمضان - عام 1438هـ في مسجد السعيدي بالجهراء. ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

 
  • الخطبة الأولى:
  إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله. أمَّا بعد... فإنّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، وشرّ الأُمور مُحدثاتها، وكُلَّ مُحدثة بِدعة، وكُلَّ بِدعة ضلالة، وكُلَّ ضلالة في النّار. أمَّا بعد... عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عزّ وجلّ- وطاعته، حيث قال ربّكم -سبحانه وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]. عباد الله، ها هي صفحاتٌ تطوى وساعات الزّمن تنقضي، وهكذا حال الدّنيا!! وقبل أيّامٍ أهلّ هلال رمضان واليوم تصرّمت أيّامه، وذهب أكثره، بين ميتغلٌ له في طاعة الله، وبين مضيعٍ لأوقاته وخاسرٌ خسرانًا مبينًا، ونحن في ختام شهرنا المبارك، في لياليه الباقية نرجو من الله –عزَّ وجلَّ- القبول والرّحمة والمغفرة والعفو والعافية، وقد ورد في حديث أبي بكرة –رضي الله تعالى عنه-، عن النّبيّ – صلى الله عليه وسلم- أنّه قال عن ليلة القدر: «الْتَمِسُوهَا فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ فِي خَمْسٍ يَبْقَيْنَ، أَوْ فِي ثَلَاثِ أَوَاخِرِ لَيْلَةٍ» رواه الترمذي. ولا يفوتنّكم فضل ليلة القدر، ولا يفوتنكم ما بقي من الليالي، فقد يكون فيها ليلة القدر، فإنها تتنقل على الصحيح من أقوال أهل العلم، وقد ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم-، لزوجته الصّدّيقة بنت الصّدّيق عائشة -رضي الله عنها- دعاءً تقوله في هذه اللّيالي المباركة، فقال –عليه الصلاة والسلام-: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». عباد الله،  إنَّ ما شرعه الله – عزَّ وجلَّ- لكم في ختام هذا الشّهر: التّكبير لله –سبحانه وتعالى-، يقول –عزَّ وجلَّ-: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة:185]؛ فيسنّ التّكبير ليلة العيد والجهر به في المساجد والبيوت والأسواق؛ تعظيماً لله – عزَّ وجلَّ- وشكراً له على تمام النّعمة. وممّا شرعه الله لكم في ختام هذا الشّهر المبارك كذلك: صلاة العيد، يقول –عزَّ وجلَّ-: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)﴾ [الأعلى:14/15]، قال بعض أهل العلم: "أي: أدّى زكاة الفطر وصلّى صلاة العيد". والتّكبير ليلة العيد: من السّنن النّبويّة العظيمة؛ روى ابن أبي شيبة بسندٍ صحيحٍ عن الزّهريّ –رحمه الله تعالى- أنه قال: "كَانَ النَّاسُ يُكَبِّرُونَ فِي العِيدِ حِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ مَنَازِلِـهِمْ حَتَّى يَأْتُوا الـمُصَلَّى وَحَتَّى يَـخْرُجَ الإِمَامُ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ سَكَتُوا، فَإِذَا كَبَّرَ كَبَّرُوا"، لقد كان التّكبير من حين الخروج من البيت إلى المصلّى، وإلى دخول الإمام كان أمرًا مشهورًا جدًا عند السّلف الصّالح، والعلماء المتقدّمين، ومن ذلك: أنّ نافع بن جبيرٍ -رحمه الله تعالى- كان يكبّر ويتعجّب من عدم تكبير النّاس، فيقول: "ألا تكبّرون؟!". وبعض أهل العلم يقول: "إن التكبير من حين خروج المرء من بيته لصلاة العيد، إلى حين أن يخرج الإمام لصلاة العيد"، ووقت التّكبير في عيد الفطر، بعض أهل العلم أيضًا يقول: "يبتدئ به من غروب شمس ليلة العيد، إلى أن يدخل الإمام لصلاة العيد"، وصفة التّكبير: «لله أكبر الله أكبر، لا إله إلّا الله، الله أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْـحَمْدُ» رواه ابن أبي شيبة. ورواه أيضًا بتثليث التّكبير «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْـحَمْدُ». ومما شرع لكم عباد الله في ختام هذا الشّهر المبارك، عباداتٍ تزيدكم من الله قربًا، فشرع لكم زكاة الفطر؛ قال- عزَّ وجلَّ-: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ [الأعلى:14]، قال عكرمة -رحمه الله-: "هو الرّجل يقدّم زكاته بين يدي صلاته"، يعني: قبل صلاة العيد، وعن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرةً للصّائم من اللّغو والرّفث، وطعمةً للمساكين" فهي تطهيرٌ للصّيام ممّا قد يؤثّر فيه من اللّغو والإثم والهفوات والزّلّات، ومواساةٌ للفقراء والمساكين، وهي شكرٌ لله تعالى على إتمام الصّيام والأعمال الصّالحة في هذا الشّهر المبارك، وهي واجبةٌ لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْـحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ»، متفقٌ عليه. فيجب على المسلم أن يخرجها عن نفسه، وعمّن تلزمه نفقته من زوجةٍ وأولادٍ ونحوهم، ولا يجب إخراجها عن الجنين الّذي في بطن أمّه، لكنه يخرجها استحبابًا كما ورد ذلك عن السلف، ويخرج زكاة الفطر في البلد الّذي وافاه تمام الشّهر وهو فيه، وإن كان من يلزمه إخراج زكاة الفطر عنهم في بلدٍ وهو في بلدٍ آخر، فإنّه يجوز أن يوكّلهم في إخراجها عنه وعنهم في بلدهم. ووقت إخراج زكاة الفطر يبدأ بغروب الشّمس ليلة العيد، ويستمرّ إلى صلاة العيد، ويجوز تعجيلها قبل يوم العيد بيومٍ أو يومين، ولا ينبغي إهمالها، فإن فات المسلم وقتها أو نسي أخرجها قضاءً، أخرجها قضاءً، ومقدارها: صاعٌ من طعامٍ من غالب قوت البلد، لحديث أبي سعيدٍ الخدريّ –رضي الله عنه-، قال: "كنّا نعطيها في زمان النّبيّ –صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعامٍ". عباد الله، لقد ختم الله –سبحانه وتعالى- هذا الشهر بهذه العبادات؛ لنزداد من الخيرات والحسنات، فنسأل الله –عزَّ وجلَّ- أن يجعلنا فيه من المقبولين، أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرّحيم.  
  • الخطبة الثانية:
  الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أمَّا بعد.. عباد الله، فإنّنا مأمورون أن نعبد الله تعالى في حال فرحنا وحال حزننا، وأن نفرح الفرح المشروع، ونبتعد عن المحرّم الممنوع من المعاصي والآثام، وذلك بالتزام أوامر الله جلّ شأنه، واتّباع سنّة نبيّه ورسوله-صلى الله عليه وسلم-. ومن السّنن الّتي يفعلها المسلم يوم العيد، ممّا ثبت في سنّة نبيّكم -عليه الصّلاة والسّلام-: الاغتسال قبل الخروج إلى الصّلاة؛ فقد صحّ في الموطّأ وغيره، أنّ عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلّى، وذكر النّوويّ - رحمه الله- اتّفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد، ومن السّنن في هذا اليوم: خروج النّساء والصّبيان إلى المصلّى؛ لحديث أمّ عطيّة -رضي الله عنها-: "أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ العَوَاتِقَ"، أي: الأَبْكَارَ البَالِغَاتِ، "وَالـحُيَّضَ لِلْعِيدَيْنِ، يَشْهَدْنَ الـخَيْرَ وَدَعْوَةَ الـمُسْلِمِينَ، وَتَعْتَزِلُ الـحُيَّضُ الـمُصَلَّى" متفقٌ عليه. ومن السّنن النّبويّة: الأكل قبل الخروج لصلاة العيد؛ لما رواه البخاريّ عن أنس –رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتّى يأكل تمراتٍ، ويأكلهنّ وترًا" رواه البخاريّ، وإنّما استحبّ الأكل قبل الخروج مبالغةً في النّهي عن الصّوم في ذلك اليوم، وإيذاناً بالإفطار وانتهاء الصّيام، ومن لم يجد تمرًا فليفطر على أيّ شيءٍ مباحٍ. ومن آداب العيد: التّهنئة الطّيّبة الّتي يتبادلها النّاس فيما بينهم، مثل قول بعضهم لبعضٍ: تقبّل الله منّا ومنكم، أو عيدٌ مباركٌ، وما أشبه ذلك من عبارات التّهنئة المباحة، وعن جبير بن نفيرٍ –رضي الله عنه- قال: "كان أصحاب النّبيّ –صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد، يقول بعضهم لبعضٍ: تقبّل الله منّا ومنك"، ولا ريب أنّ هذه التّهنئة من مكارم الأخلاق والمظاهر الاجتماعيّة الحسنة بين المسلمين. ومن الآداب الشّرعيّة: التّجمّل للعيدين؛ فقد روى البيهقيّ بسندٍ صحيحٍ: أنّ ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يلبس للعيد أجمل ثيابه. فينبغي للرّجل أن يلبس أجمل ما عنده من الثّياب عند الخروج للعيد، أمّا النّساء فيبتعدن عن الزّينة إذا خرجن لأنّهنّ منهيّاتٌ عن إظهار الزّينة للرّجال الأجانب، وكذلك يحرم على من أرادت الخروج أن تمسّ الطّيب أو تتعرّض للرّجال بالفتنة؛ فإنّها ما خرجت إلّا لعبادةٍ وطاعةٍ. ومن السّنن النّبويّة: الذّهاب إلى الصّلاة من طريقٍ والعودة من طريقٍ آخر؛ عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان النّبيّ –صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيدٍ خالف الطّريق"رواه البخاريّ، والحكمة من ذلك كثيرة، منها أنه ليشهد له الطّريقان عند الله يوم القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عمل عليها من الخير والشّرّ، ولإظهار شعائر الإسلام في الطّريقين، ولإظهار ذكر الله -سبحانه وتعالى-، ولتهنئة المسلمين في العيدين، أو في العيد. عباد الله، ودّعوا شهركم بالتّوبة والاستغفار، وكثرة الدّعاء والتّكبير؛ لعلّكم تكونون من العتقاء من النّار، اللهم إنَّا نسألك أن تجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، اللهم إنَّا نسألك أن تجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، اللهم إنَّا نسألك أن تجعلنا ممن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، ربنا تقبل منَّا إنك أنت السميع العليم، ربنا استجب لنا إنك أنت السميع العليم، ربنا اغفر لنا ذنوبنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا اغفر لنا ولوالدينا، وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.