المسارعة إلى نوافل الطاعات
المسارعة إلى نوافل الطاعات
  | 5410   |   طباعة الصفحة


  • خطبة جمعة : المسارعة إلى نوافل الطاعات.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة في يوم 13 جمادى الأول - عام 1438هـ في مسجد السعيدي بالجهراء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، لقد فرض الله -سبحانه وتعالى- الصلاة على عباده، وعدَّها أحد أركان الإسلام الخمسة، وجعلها صلةً بينه وبين عبده فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين. قال -عزَّ من قائل-: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] ألا وإن من أجلِّ الطاعات، وأفضل القرُبات، وأحب الأعمال إلى الله -تعالى- المحافظة على الصلوات الخمس التي فرضها الله على العبد، والتي علَّق الله -عزَّ وجلَّ- الفلاح والفوز في المحافظة عليها، فقال -سبحانه وتعالى-: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] ثم قال -سبحانه-: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون:11]، وقال -تعالى- أمرًا بالمحافظة على هذه الصلوات: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة:238]. والصلاة يا -عباد الله- هي خير ما تعبد به العباد، وأجلُّ ما ادخروه ليوم التنال. قال -صلى الله عليه وسلم-: «وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ»، والصلاة هي أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله. قال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلاةُ». وكما يداوم المرء على أداء الفرائض في وقتها أستحب له طلب الكمال والزيادة، وإنما يحصل ذلك بالمحافظة على النوافل والرواتب مع الفرائض. قال بعض العلماء: "الفرائض: رأس المال وهو أصل التجارة وبه تحصل النجاة، والنوافل: هي الربح وبه يحصل التفاوت في الدرجات". عباد الله، إن الله -عزَّ وجلَّ- شرع النوافل والتطوعات لحكمٍ عظيمة، ومقاصد جليلة منها: أنها تجبر النقص الحاصل في صلاة العبد، قال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلاةُ قَالَ: يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَزَّ- لِمَلائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِي صَلاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّة، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُم». وهذا من رحمة الله بالعبد إن الله أراد أن تكون عبادة المرء كاملة غير ناقصة، وتامةً غير قاصرة. والنوافل -عباد الله- من أسباب دخول الجنة بل ومرافقة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيها. فعن ربيعة بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقَالَ: «أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُود». والنوافل سببٌ لمعية الله للعبد ومحبة الله له، وحفظه لجوارحه، وتسديده في أعماله وأقواله، كما قال تعالى في (الحديث القدسي): «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا. وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ». والإتيان بالنوافل من المسارعة بالخيرات، والمسابقة إلى الطاعات يقول -جلَّ وعلا-: ﴿أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون:61]. عباد الله، لقد رغبَّت الشريعة في نوافل الصلوات، وحثت العبد على الازدياد منها، والإكثار من أدائها ومن هذه التطوعات التي جاءت الشريعة بالحث عليها، والترغيب فيها (السنن الرواتب) وهي التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يداوم عليها ويحث على فعلها، ويرغب فيها. فقد ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعاتٍ: ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح"، وكذلك ثبت من حديث أم حبيبة أنها: «ثِنتا عشرة ركعة في اليوم والليلة» فعنها -رضي الله عنها- أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» أو «إلا بُني له بيتٌ في الجنة» رواه مسلم، وجاءت مفسرةً في حديث الترمذي: "أربع ركعاتٍ قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر". ومن النوافل المرغب فيها: قيام الليل، وما أدراك ما قيام الليل أنُس الصالحين وبهجة قلوب المتعبدين، وسيما المقربين. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» ولا أقل من أن يقوم المرءُ بعشر آياتٍ. قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِين»، ومن هذه التطوعات (الوتر) وهو ما يختم به صلاة الليل وهي من أفضل وخير الصلوات التي يتقرب بها العبد إلى ربه -جلَّ وعلا-، قال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ (وهِيَ الوتر) فجَعَلَها لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إِلَى طلوع الْفَجْرُ». عباد الله، ومن هذه النوافل صلاة الضحى وهي الصلاة التي تكون بين ارتفاع الشمس مقدار رُمحٍ أي: بنحو عشر دقائق فأكثر، إلى قُبيل صلاة الظهر، وتصلى ركعتين أو أربعة أو ستًا أو ثمانيًا وقد جاء في أدائها الأجر الكبير، والفضل العظيم. فعن أبي ذرٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَة، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَة، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَة، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَة، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَة، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَة، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى». ومن النوافل: (سنة الجمعة) أما الجمعة فليس لها سنةٌ قبليةٌ محددة لكن للعبد أن يصلي ما شاء أن يصلي قبل صعود الخطيب للخطبة. فعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» رواه البخاري. أما بعدها فيشرع أن يصلي المرء أربع ركعاتٍ أو ركعتين في بيته أو في المسجد كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا»، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصلى ركعتين في بيته. أقول ما تسمعون واستغفروا الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي نعم الزاد المدخر ليوم الميعاد. عباد الله إن من النوافل التي جاء الحث عليها، والترغيب فيها صلاة ركعتين بعد الوضوء فعن عثمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ومن نوافل التطوع المطلب: الصلوات التي رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها مثل قوله -عليه الصلاة والسلام- «ما من رجلٍ يُذنِبُ ذَنبًا، ثمَّ يَقومُ فَيتَطَهَّر ثْمَ يصلي، ثُمَّ يَستَغْفِر اللهَ إِلا غَفرَ الله لهُ»، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران:135]. مما ينبغي الحرص عليه -عباد الله- أن يكون لنا من صلاتنا في بيوتنا نصيب ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن زيد بن ثابتٍ -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة»، وعن جابرٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته فإن الله جاعلٌ في بيته من صلاته خيرًا» رواه مسلم. والصلاة في البيوت من أسباب سعتها، وحصول السعادة فيها، ودخول الملائكة المقربين، وطرد الشياطين. يقول أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "إن البيت ليتسع على أهله وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويكثر خيره أن يقرأ فيه القرآن، وإن البيت ليضيق على أهله، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين، ويقل خيره أن لا يقرأ فيه القرآن". فلنحافظ على الصلاة فريضةً ونافلة فأنها آخر وصيةٍ للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على فراش الموت فعن عليٍ -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "كَانَ آخِرُ كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الصَّلاةَ الصَّلاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»". فعلى الإنسان أن لا يكون خاليًا من النوافل متقللاً من تطوعات الصلوات فإن في الإتيان بها الخير العظيم، والثواب الجزيل، وفيه الإقتداء بالأنبياء والصالحين، وامتثال أمر رب العالمين. اللهم إنَّا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ربنا أتنا في الدنيا حسنه وفي الآخرة حسنه وقنَّا عذاب النار، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.