أهمية الآداب في الإسلام
أهمية الآداب في الإسلام
  | 10002   |   طباعة الصفحة


  • خطبة جمعة : أهمية الآداب في الإسلام.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة في يوم 20 جمادى الأول - عام 1438هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، إن من الأمور العظيمة التي ندبت إليها الشريعة الإسلامية وحثت على فعلها والعناية بها لزوم الأدب وتكميله، وتحسين الخلق وتهذيبه إذ إن ذلك هو عنوان سعادة المرء وفلاحه في الدنيا والآخرة، فما استُجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استُجلب حرمانهما بمثل تضيع الأدب وإهماله. عباد الله، إن حقيقة الأدب استخراج الكامن في الإنسان من الكمال من القوة إلى الفعل، فإن الله -سبحانه وتعالى- قد هيأ الإنسان لقبول الكمال بما أعطاه من الأهلية، والاستعدادات التي جعلها فيه كامنة فألهمه ومكَّنه وعرَّفه وأرشده، وأرسل إليه رسله، وأنزل إليه كتبه؛ لاستخراج تلك القوة التي بها أهلَّه لكماله، قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس:٧-١٠]. فأخبر سبحانه عن قبول النفس للفجور والتقوى، وأن ذلك نالها منه امتحانًا واختبارًا ثم خصَّ بالفلاح من زكاها فنمَّاها وعلاَّها ورفعها بآدابها التي أدَّب الله -عزَّ وجلَّ- بها رسله وأنبيائه وأولياءه، ثم حكم بالشقاء على من دسَّى نفسه فأخفاها وحقّرها وصغّرها وقمعها بالخِسَّة والفجور. عباد الله، الأدب كلمةٌ عظيمة ذات دلالاتٍ عميقة هي تعني اجتماعَ خصال الخير في العبد في هيئته ومظهره، وقومته وقعدته، وحركته وسكونه، وحديثه وسكوته، وحِلّه وارتحاله، وجميع شؤونه هو إصلاحٌ للمنطق واللسان والجوارح، والجنان وصيانةٍ كاملةٍ للإنسان به تتهذّب النفوس وتزكو، ويتجمل الظاهر والباطن، وبه تبتعد النفوس عن رعونتها، والقلوب عن شرورها، والجوارح عن آفاتها، والأخلاق عن منغصاتها وخوارمها. بـ(الأدب) -عباد الله- تعلو منارات الدين وتتسع رقعته، ويعظم إقبال الناس عليه ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران:١٥٩]. قال الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:٤]، قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: "هو آداب القرآن". نعم عباد الله لقد تأدَّب -عليه الصلاة والسلام- بآداب القرآن فكمَّلها، وتحلى بتوجيهاته وإرشاداته فتممها، فكان خلقه -صلى الله عليه وسلم- الذي يتخلق به، وأدبه الذي يتأدب به هو القرآن الكريم كما في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لما سُئلت عن خُلقه -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ"؛ أي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان متأدبًا بآداب القرآن متخلقًا بأخلاقه، واقفًا عند حدوده عاملًا بأوامره، منتهيًا عن نواهيه بحيث لا ترى في القرآن من خُلُقٍ ولا أدبٍ إلا وهو متمسك به ملازمٌ له أتم الملازمة على أحسن وجهٍ وأحسن حال فكان بذلك أسوةٌ لأمته وقدوةٌ في كل خير. ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:٢١]. الأدب عباد الله ثلاثة أنواع: أدبٌ مع الله سبحانه، وأدبٌ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأدبٌ مع الخلق. أما الأدب مع الله -عزَّ وجلَّ-: فيكون بالحياء منه سبحانه، وتعظيم أمره ونهيه، والوقوف عند حدوده، والإقبال عليه وحده رغبةً ورهبًا وخوفًا وطمعًا ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء:٥٧]، إن الأدب مع الله هو القيام بدينه، والتأدب بآدابه ظاهرًا وباطنًا لا يستقيم لأحدٍ قطُّ الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء: - معرفته سبحانه بأسمائه وصفاته. - ومعرفة دينه وشرعه وما يحب ويكره. - وثالث ذلك: نفسٌ مستعدةٌ قابلةٌ لينة متهيئةٌ لقبول الحق علمًا وعملًا. أما الأدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: فالقرآن مملوءٌ به، ورأس ذلك -عباد الله- التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، وأن لا يتقدَّم بين يديه بأمرٍ ولا نهي، ولا إذنٍ ولا تصرفٍ حتى يأمر هو وينهي ويأذن، كما قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾  [الحجرات:١]؛ أي: لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر. عباد الله، وهذا باقٍ إلى يوم القيامة فالتقدم بين يدي سنته -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته كالتقدمُ بين يديه هو -صلى الله عليه وسلم- في حياته. أما الأدب مع الخَلْقِ: فهو معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم فلكلٍ مرتبته من الأدب. فمع الوالدين أدبٌ خاص، ومع العالِم أدبٌ خاص، ومع الأقران أدبٌ وهكذا ولكل حالٍ من الأحوال أدب فللأكل آدابه، وللشرب آدابه، وللركوب والدخول والخروج والسفر والإقامة والنوم آدابها، ولقضاء الحاجة آدابه، وللكلام آدابه، وللسكوت والاستماع آدابه. والأدب هو الدين كله إذ الدين هو دين الأدب الرفيع في أوامره الحكيمة، وإرشاداته القويمة، وتوجيهاته العظيمة. رزقنا الله وإياكم التأدب بآداب الإسلام، والتمسك بأهداب الشريعة، أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، قد جمع صلوات الله وسلامه عليه أصول المعاملة في حديثٍ فذٍّ جامعٍ هو من جوامع كلِمه -صلى الله عليه وسلم-، يقول -صلى الله عليه وسلم- في وصيته لمعاذ بن جبلٍ -رضي الله تعالى عنه-: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» فهذا الحديث -عباد الله- جمع فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- أصول المعاملة: المعاملة مع الله، والمعاملة مع النفس، والمعاملة مع عباد الله. - أما المعاملة مع الله: فإن أساسَ بنائها وأصلَ قيامها أن تكون مؤسسةً ومبنيةً على تقوى الله -جلَّ وعلا- أينما كان الإنسان، وأينما حلّ «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ». وتقوى الله -جلَّ وعلا- ليست كلمة يقولها المرء بلسانه أو عبارةً يتلفظ بها، وإنما تقوى الله -جلَّ وعلا- أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نورٍ من الله تخاف عقاب الله بذلك -عباد الله- يكون المرء من المتقين. - وأما المعاملة مع النفس: فإنما تبني على ما قاله -صلى الله عليه وسلم-: «وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا»، وهذا -عباد الله- فيه إشارةٌ إلى أن الإنسان لابد له من الخطأ والتقصير «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ» فالإنسان بطبعه مخطئ، وتعتريه الغفلة، ويعتوره النسيان ولكن عليك أن تقبِل على الله -عزَّ وجلَّ- إقبالًا صادقا، وأن تكثِر من الحسنات، وأن تقبِل على الله -عزَّ وجلَّ- تائبًا منيبًا، وأن تجعل نصب عينيك طاعة الله -عزَّ وجلَّ- والإقبال عليه والتماس رحمته -سبحانه وتعالى-، ورجاء فضله والخوف من عقابه وهذا هو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» بأن يكون العبد دائمًا وأبدًا مقبلًا على الحسنات مكثرًا من الطاعات تائبًا منيبًا إلى الله -جلَّ وعلا-. - أما المعاملة مع الخلق: فأصل بنائها وأساس قيامها هو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» تحت هذه الجملة العظيمة تدخل جميع الآداب، وجميع الأخلاق فيدخل تحت هذه الجملة: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، والوفاء بالوعد، وطلاقة الوجه، وحسن الكلام إلى غير ذلك من الأخلاق العظيمة، والآداب الرفيعة الكريمة التي دعا إليها ديننا الحنيف. فهذا -عباد الله- حديثٌ عظيمٌ جامع جمع فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- أصول المعاملة مع الله -وجلَّ وعلا- ومع النفس ومع عباد الله -تبارك وتعالى-. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنَّا سَيِّئَ الأخلاق لا يصرف عنَّا سيئَّها إلا أنت. اللهم إنَّا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ولوالدينا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنَّا عذاب النار، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.